إذا كان مدح فالنسيب المقدّم |
أكلّ فصيح قال شعرا متيّم |
الثانية : أن يكون المصراع الأول مستقلا بنفسه غير محتاج الى الذي يليه فاذا جاء الذي يليه كان مرتبطا به كقول امرىء القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
بسقط اللوى بين الدّخول فحومل |
فالمصراع الأول غير محتاج الى الثاني في فهم معناه لكن لما جاء الثاني صار مرتبطا به. ومنه قول أبي تمام :
ألم يأن أن تروى الظماء الحوائم |
وأن ينظم الشّمل المبدّد ناظم |
وقول المتنبي :
الرأي قبل شجاعة الشّجعان |
هي أوّل وهي المحلّ الثاني |
الثالثة : أن يكون الشاعر مخيرا في وضع كل مصراع موضع صاحبه ويسمى التصريع «الموجّه» كقول بعضهم :
من شروط الصّبوح في المهرجان |
خفّة الشرب مع خلوّ المكان |
فإنّ هذا البيت يجعل مصراعه الأول ثانيا ومصراعه الثاني أولا.
الرابعة : أن يكون المصراع الأول غير مستقل بنفسه ولا يفهم معناه إلا بالثاني ويسمى التصريع «الناقص» وليس بمرضي ولا حسن ، كقول المتنبي :
مغاني الشعب طيبا في المغاني |
بمنزلة الربيع من الزّمان |
فانّ المصراع الأول لا يستقل بنفسه في فهم معناه دون أن يذكر المصراع الثاني.
الخامسة : أن يكون التصريع في البيت بلفظة واحدة وسطا وقافية ويسمى التصريع «المكرر» وهو قسمان :
أحدهما : أقرب حالا من الآخر ويكون بلفظة حقيقية لا مجاز فيها كقول عبيد بن الأبرص :
فكلّ ذي غيبة يؤوب |
وغائب الموت لا يؤوب |
وثانيهما : أن يكون التصريع بلفظة مجازية يختلف المعنى فيها ، كقول أبي تمام :
فتى كان شربا للعغاة ومرتعا |
فأصبح للهنديّة البيض مرتعا |
السادسة : أن يذكر المصراع الأول ويكون معلقا على صفة يأتي ذكرها في أول المصراع الثاني ويسمى التصريع «المعلق» كقول امرىء القيس :
ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي |
بصبح وما الإصباح منك بأمثل |
فانّ المصراع الأول معلق على قوله «بصبح» وهذا معيب جدا ، وعليه ورد قول المتنبي :
قد علّم البين منا البين أجفانا |
تدمى وألّف في ذا القلب أحزانا |
فان المصراع الأول معلق على قوله : «تدمى».
السابعة : أن يكون التصريع في البيت مخالفا لقافيته ويسمى التصريع «المشطور» وهو أنزل درجات التصريع وأقبحها ، ومن ذلك قول أبي نواس :
أقلني قد ندمت على الذّنوب |
وبالاقرار عدت عن الجحود |
فصرّع بحرف الباء في وسط البيت ثم قفّاه بحرف الدال ، وهذا لا يكاد يستعمل إلا قليلا. قال ابن الاثير عن هذه المراتب السبع : «وذلك شيء لم يذكره على هذا الوجه أحد قبلي» (١). وأدخل القزويني التصريع في السجع ، وقال : «ومنه ما يسمى التصريع وهو جعل العروض مقفاة تقفية الضرب» (٢). وسمّاه السّيوطي
__________________
(١) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٢.
(٢) الايضاح ص ٣٩٧.