المتأخرون وليس في شعر القدماء شيء منه ولا في كلامهم ، وقد استقريته من الكتاب العزيز وأشعار المولدين فوجدته على ثلاثة أقسام :
الأول : ما له علمان : علم من أوله وعلم من آخره.
الثاني : ما له علم من أوله.
والثالث : ما له علم من آخره :
فأما الذي له علمان فكقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ. وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١).
ومنه قول بعضهم :
والمسعدان عليها الصبر والجلد |
أفناهما الخاذلان : الوجد والكمد |
|
والعاذلان عليها ردّ عذلهما |
في حبّها العاذران : الحسن والجيد |
|
والباقيان هواها والغرام بها |
فداهما الذاهبان : الروح والجسد |
وأما الذي طرازه من أوله فمنه في القرآن كثير ، فمن ذلك قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢).
ومنه قول البحتري :
تعلو الوفود ثلاثة في أرضه |
إفضاله وجداه والإنعام |
|
وثلاثة تغشاك مهما زرته |
إرفاده والمنّ والإكرام |
|
وثلاثة قد جانبت أخلاقه |
قول البذا والزور والآثام |
|
وثلاثة في الغرّ من أفعاله |
تدبيره والنقض والإبرام |
وأما الذي علمه من آخره ففي القرآن منه كثير ، فمن ذلك قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ. وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٣) الى آخر السورة.
وجمع المدني بين رأي المتقدمين والمتأخرين لأنّه ذكر للتطريز معنين : (٤)
الأول : أن يؤتى في الكلام بمواضع متقابلة كأنّها طراز كأبيات أبي تمام التي ذكرها العسكري : «أعوام وصل ...».
الثاني : أن يبتدئ المتكلم من ذوات غير منفصلة ثم يخبر عنها بصفة واحدة من الصفات مكررة بحسب العدد الذي قدره في تلك الجمل الأول فتكون الذوات في كل جملة متعددة تقديرا والجمل متعددة لفظا وعدد الجمل التي وصفت بها الذوات لا عدد الذوات عدد تكرار واتحاد لا تعداد تغاير ، كبيتي ابن الرومي : «أموركم بني خاقان ...». وهذا كلام المصري ومثاله. وقد قال المدني : «هكذا قرره الشيخ صفي الدين الحلي في شرح بديعيته» (٥).
__________________
(١) الروم ٢١ ـ ٢٤.
(٢) الحشر ٢٢ ـ ٢٤.
(٣) الرحمن ١٤ ـ ١٨.
(٤) أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٤٢.
(٥) أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٤٢ وينظر كفاية الطالب ـ ـ ص ١٥٤ ، نفحات ص ٢٥٧ ، التبيان في البيان ص ٣٢٥ ، شرح الكافية ص ١٩٨.