بعض (١).
قال التبريزي : «والتفويف المشبه بالبرد المفوف ، وهو الذي يخلط في وشيه شيء من بياض» (٢). كقول جرير :
هم الأخيار منسكة وهديا |
وفي الهيجا كأنّهم صقور |
|
بهم حدب الكرام على المعالي |
وفيهم من مساءتهم فتور |
|
خلائق بعضهم فيها كبعض |
يؤمّ كبيرهم فيها الصغير |
|
عن النكراء كلّهم غبيّ |
وبالمعروف كلّهم بصير |
وقال البغدادي : «وهذا النوع من الشعر هو أن يسهل له مخارج الحروف ويرف منه رونق الفصاحة مع الخلو من البشاعة. وأن يكون ظاهر المعنى لا يحتاج الى إعمال الفكر في استنباط معانيه وإن كان خاليا من جميع الأوصاف التي تقدمت وتأخرت عنها» (٣).
وذكر أمثلة التبريزي. وقال ابن الزملكاني : «التفويف شبه بالبرد المفوّف الذي يخالط وشيه شيء من بياض ، وفي الاصطلاح عبارة عن أن يصف المذكور مما يدخل على مدحه من صفات الكرم مثلا ثم بما يدل على ذمه لكن تقرن بذلك الذم ما يرشد بأنّه مديح» (٤) ، وذكر أبيات جرير. وقال المصري : «والتفويف في الصناعة عبارة عن إتيان المتكلّم بمعان شتى من المدح أو الغزل أو غير ذلك من الفنون والأغراض كل فن في جملة من الكلام منفصلة من أختها بالتجميع غالبا مع تساوي الجمل المركبة في الوزنية» (٥). ويكون بالجمل الطويلة والمتوسّطة والقصيرة ، فمثال ما جاء منه بالجمل الطويلة قول النابغة الذبياني :
فلله عينا من رأى أهل قبّة |
أضرّ لمن عادى وأكثر نافعا |
|
وأعظم أحلاما وأكبر سيّدا |
وأفضل مشفوعا اليه وشافعا |
ومثال ما جاء منه في الجمل المتوسطة قول ابن زيدون :
ته احتمل واحتكم اصبر وعز أهن |
ودل اخضع وقل اسمع ومر أطع |
ومثال ما جاء منه بالجمل القصيرة قول المتنبي :
أقل أنل اقطع احمل على سل اعد |
زد هش بش تفضل ادن سر صل |
وقد جاء من التفويف المركّب من الجمل الطويلة في الكتاب العزيز قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)(٦). وفي الجمل المتوسّطة قول سبحانه : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ)(٧).
قال المصري : «ولم يأت من الجمل القصيرة شيء في فصيح الكلام» (٨).
وقال المظفر العلوي إنّ الترصيع يسمى
__________________
(١) تحرير التحبير ص ٢٦٠ ، وينظر اللسان (فوف) ، حسن التوسل ص ٢٦٥ ، خزانة الأدب ص ١١١ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٠٨.
(٢) الوافي ص ٢٨٩ ، وينظر كفاية الطالب ص ١٥٦.
(٣) قانون البلاغة ص ٤٥٥.
(٤) التبيان ص ١٨٧.
(٥) تحرير التحبير ص ٢٦٠ ، القرآن ص ٩٨.
(٦) الشعراء ٧٨ ـ ٨٢.
(٧) آل عمران ٢٧.
(٨) تحرير التحبير ص ٢٦٢ ، بديع القرآن ص ١٠٠ ، وينظر معترك ج ١ ص ٣٩٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٩ ، التبيان في البيان ص ٣٢٤ ، شرح الكافية ٧٩.