«التفويف» (١) ، ولكنّ تعريفه للترصيع والأمثلة التي ذكرها لا صلة لها بالتفويف وأمثلته.
وقال ابن مالك : «التفويف أن تأتي بمعان متلائمة في جمل مستوية المقدار أو مقاربة من قولهم : «ثوب مفوف» للذي على لون وفيه خطوط بيض» (٢) ، وهو ضربان :
الأوّل : ما جمله على المقاطع كقول الشاعر يصف سحابا :
يسربل وشيا من خزوز تطرّزت |
مطارفها طرزا من البرق كالتّبر |
|
فوشي بلا رقم ونقش بلا يد |
ودمع بلا عين وضحك بلا ثغر |
الثاني : ما جمله مدمجة وهو ثلاثة أقسام ، لأنّ جمله إمّا طوال كما في قول عنترة :
إن يلحقوا اكرر وإن يستلحموا |
أشدد وإن نزلوا بضنك أنزل |
وإمّا متوسّطة كما في قول ابن زيدون : «ته احتمل ...».
واما قصار كما في قول ديك الجن :
احل وامرر وضر وانفع ولن |
واخشن ورش وابر وانتدب للمعالي |
وهذا ما ذكره الحلبي والنّويري والعلوي (٣) ، ولكنّ القزويني قال : «وأمّا ما يسميه بعض الناس التفويف ... فبعضه من مراعاة النظير وبعضه من المطابقة» (٤).
وذكر ابن قيم الجوزية فيه قولين (٥) :
الأول : أن تكون ألفاظه سهلة المخارج عليها رونق الفصاحة وبهجة الطلاوة وعذوبة الحلاوة مع الخلوّ من البشاعة ملطفة عند الطلب والسؤال مفخمة عند الفخار والنزال. وينبغي أن يكون الشعر سهل العروض وقوافيه عذبة المخارج سهلة الحروف ومعانيه مواجهة للغرض المطلوب ظاهرة منه حيث لا تحتاج الى إعمال الفكر في استنباط معانيه. وهذا ما ذكره البغدادي (٦)
الثاني : المفوف من الكلام والشعر هو الذي يكون فيه التزامات لا تلزم تكتب بأصباغ مختلفة حتى يفطن للالتزامات التي جعلت عليه.
وقال ابن قيم الجوزية بعد ذلك : «وعلى كلا القولين فالقرآن العزيز كله كذلك فان كان التفويف بأصباغ مختلفة الالوان فتفويف القرآن العظيم مقاطع آياته وتحزيبه وتعشيره وأرباعه وأخماسه وأسباعه فان العلماء ـ رضياللهعنهم ـ رخصوا بأن يكون ذلك بالحمرة أو الخضرة او الصفرة او بألوان مخالفة للون الحبر والمداد حتى يعلم أنّها ليست من نفس القرآن فاستحبوا ذلك ، فاذا صار على هذه الصفة أشبه البرد المفوّف بل أجل وأحسن وأبهى وألطف. وان كان التفويف الاول فالقرآن الكريم كله كذلك أيضا فاعرف ذلك» (٧).
وليس هذا ما أراده البلاغيون المتأخرون من التفويف ، وقد قال الحموي : «التفويف تأملته فوجته نوعا لم يفد غير إرشاد ناظمه الى طرق العقادة ، والشاعر إذا كان معنويا وتجشم مشاقه تقصر يده عن التطاول الى اختراع معنى من المعاني الغريبة وتجفوه حسان الألفاظ ولم يعطف عليه برقة وتأنف كل قرينة صالحة أن تسكن له بيتا ولكن شروع المعارضة ملزم به» (٨). ثم قال : «والتفويف في الصناعة عبارة عن اتيان المتكلم بمعان شتى من
__________________
(١) نضرة الاغريض ص ١١٨.
(٢) المصباح ص ٨٢.
(٣) حسن التوسل ص ٢٦٥ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٤١ ، الطراز ج ٣ ص ٨٤.
(٤) الإيضاح ص ٣٤٥.
(٥) الفوائد ص ٢٣٥.
(٦) قانون البلاغة ص ٤٥٥.
(٧) الفوائد ص ٢٣٦.
(٨) خزانة الادب ص ١١١.