أليس عجيبا بأنّ امرء |
شديد الجدال دقيق الكلم |
|
يموت وما علمت نفسه |
سوى علمه أنّه ما علم |
واما الغلوّ المردود فأن يتضمّن دعوى كون الوصف غير ممكن الوصف بما هو خارج عن طباع الموصوف ، كقول أبي نواس :
وأخفت أهل الشرك حتى أنّه |
لتخافك النّطف التي لم تخلق |
وتحدّث القزويني عن الغلوّ في المبالغة التي هي أحد أبواب المحسّنات المعنوية وقال «وتحصر في التبليغ والإغراق والغلوّ ، لأنّ المدعى للوصف من الشدّة أو الضعف إما أن يكون ممكنا في نفسه أو لا ، الثاني الغلوّ ، والأوّل إمّا أن يكون ممكنا في العادة أيضا أو لا ، الأوّل : التبليغ والثاني الإغراق» (١) ، والمقبول من الغلوّ أصناف : أحدها : ما أدخل عليه ما يقرّبه الى الصحة نحو لفظة «يكاد» في قوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ)(٢) وقول الشاعر يصف فرسا : ويكاد يخرج سرعة ...».
الثاني : ما تضمّن نوعا حسنا من التّخيّل كقول المتنبي :
عقدت سنابكها عليها عثيرا |
لو تبتغي عنقا عليه لأمكنا (٣) |
والثالث : ما أخرج مخرج الهزل والخلاعة كقول بعضهم :
أسكر بالأمس إن عزمت على الش |
رب غدا إنّ ذا من العجب |
وتبع القزويني في هذا المعنى شرّاح التلخيص (٤) ، وعدّ العلوي الغلوّ الضّرب الثالث من المبالغة وقال : «ما كان ممتنعا وقوعه وهو الغلوّ ويكاد المفلقون في الشعر يستعملونه في مدحهم وهجوهم» (٥).
وسار المدني على خطا المتأخّرين وقال : «الغلوّ هو أن تدعي لشيء وصفا بالغا حد الاستحالة عقلا وعادة ، فتبين بهذا أنّ المبالغة دون الإغراق والإغراق دون الغلوّ لما مرّ من أنّ المدعى في المبالغة ممكن عقلا وعادة وفي الإغراق ممكن عقلا لاعادة ، وفي الغلوّ مستحيل عقلا وعادة. والغلو إن أفضى إلى الكفر كان قبيحا مردودا وإلّا كان مقبولا ، والمقبول يتفاوت في الحسن وأحسنه ما دخل عليه ما يقرّبه الى الصحة كـ «كاد» و «لو» و «لو لا» وحرف التشبيه (٦).
__________________
(١) الايضاح ص ٣٦٥ ، التلخيص ص ٣٧٠.
(٢) النور ٣٥.
(٣) سنابكها : أطرافها ، حوافرها واحدة سنبك. عثيرا : غبارا. عنقا : سيرا سريعا.
(٤) شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٦١ ، المطول ص ٤٣٤ ، الأطول ج ٢ ص ٢٠٨ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٢ ، حلية اللب ص ١٢٢ ، وينظر المنصف ص ٧٨ ، كفاية الطالب ص ٢٠٠.
(٥) الطراز ج ٣ ص ١٢٩ ، وينظر المنزع البديع ص ٢٨٣ ، نفحات ص ٢٠١ ، كفاية الطالب ص ٢٠٠ ، شرح الكافية ص ١٥٣.
(٦) أنوار الربيع ج ٤ ص ٢٢٩.