استعماله وما لا يحسن استعماله وهو عيب في الكلام فاحش (١). وقسّمها السّكاكي ومن سار على نهجه كالقزويني وشرّاح التلخيص (٢) الى ثلاثة أقسام :
الأوّل : الكناية المطلوب بها نفس الموصوف ، وهي قريبة وبعيدة ، ومثال القريبة قول الشاعر كناية عن القلب :
الضاربين بكلّ أبيض مخذم |
والطاعنين مجامع الأضغان (٣) |
و «مجامع الأضغان» كناية عن القلوب.
وقول أبي العلاء :
سليل النار دقّ ورقّ حتى |
كأن أباه أورثه السّلالا |
و «سليل النار» كناية عن السيف.
وقول الآخر :
ودبّ لها في موطن الحلم علّة |
لها كالصلال الرقش شرّ دبيب |
و «موطن الحلم» كناية عن الصدور.
والكناية البعيدة أن يتكلف المتكلّم اختصاصها بأن يضم الى لازم لازما آخر وآخر حتى يلفق مجموعا وصفيّا مانعا من دخول كل ما عدا مقصوده ، كأن يقال في الكناية عن الانسان : «حي مستوي القامة عريض الأظفار».
الثاني : الكناية المطلوب بها نفس الصفة ، وهي قريبة وبعيدة ، فالقريبة كقول طرفة :
أنا الرجل الضّرب الذي تعرفونه |
خشاش كرأس الحية المتوقّد |
وقد كنّى عن صلابة جسمه وخفّة لحمه ومضي رأيه وتوقّد ذهنه وذكائه.
وقول الآخر :
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا |
ولكن على أقدامنا تقطر الدما |
وهذا كناية عن الشجاعة.
والكناية البعيدة هي الانتقال الى المطلوب من لازم بعيد بوساطة لوازم متسلسلة كقول نصيب :
لعبد العزيز على قومه |
وغيرهم منن ظاهره |
|
فبابك أسهل أبوابهم |
ودارك مأهولة عامره |
|
وكلبك آنس بالزائرين |
من الأم بابنتها الزائره |
فانه انتقل من وصف كلبه بما ذكر أنّ الزائرين معارف عنده ، ومن ذلك الى اتصال مشاهدتهم ليلا ونهارا ، ومنها الى لزومهم بابه ، ومنها الى وفور إحسانه وهو المقصود.
ومنه قول المتنبي :
تشتكي ما اشتكيت من ألم الشّو |
ق اليها والشّوق حيث النحول |
الثالث : الكناية التي يطلب بها تخصيص الصفة بالموصوف وهي الكناية عن نسبة ويراد بها إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه أو كما قال ابن الزملكاني : «أن يأتوا بالمراد منسوبا الى أمر يشتمل عليه من هي له حقيقة» (٤). ومن هذا النوع قول زياد الأعجم :
إنّ السماحة والمروءة والنّدى |
في قبّة ضربت على ابن الحشرج |
وقول الشنفري :
__________________
(١) المثل السائر ج ٢ ص ٢٠٠.
(٢) مفتاح العلوم ص ١٩٠ ، الايضاح ص ٣١٩ ، التلخيص ص ٣٣٨ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٤٧ ، المطول ص ٤٠٩ ، الاطول ج ٢ ص ١٧١.
(٣) الابيض : السيف. المخذم : القاطع.
(٤) البرهان الكاشف ص ١٠٥ ، التبيان ص ٣٨.