وأعرف من مصطلح ابن المعتز ولكن هذا ليس دقيقا لأنّ ابن قتيبة سبق الى مصطلحي «المبالغة» و «الإفراط» كما تقدّم.
وسمّى الحلبي والنّويري هذا النوع : المبالغة والتبليغ والإفراط في الصفة (١) وقال ابن وهب : وأمّا المبالغة فانّ من شأن العرب أن تبالغ في الوصف والذم كما من شأنها أن تختصر وتوجز وذلك لتوسعها في الكلام واقتدارها عليه ، ولكل من ذلك موضع يستعمل فيه» (٢) وقسّمها الى مبالغة في اللفظ وهي التي تجري مجرى التأكيد مثل : «هذا هو الحق بعينه» ، وقول الحطيئة :
ألا حبّذا هند وأرض بها هند |
وهند أتى من دونها النأي والبعد |
ومبالغة في المعنى ، وهي إخراج الشيء على أبلغ غايات معانيه كقوله عزوجل (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ)(٣) فبالغ الله في تقبيح قولهم وإخراجه على غاية الذم.
ومنه قول زهير :
وفيهن ملهى للطيف ومنظر |
أنيق لعين الناظر المتوسّم |
وقال الرّمّاني : «المبالغة هي الدلالة على كبر المعنى على جهة التغيير عن أصل اللغة لتلك الابانة» (٤) وهي على وجوه منها : المبالغة في الصفة المعدولة الجارية بمعنى المبالغة وذلك على أبنية كثيرة منها : «فعلان» و «فّعال» و «فعول» و «مفعل» و «مفعال» وذلك مثل ، «رحمان» و «غفّار» و «شكور» و «مطعن» و «منحار».
والمبالغة بالصيغة العامة في مواضع الخاصة كقوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)(٥).
وإخراج الكلام مخرج الإخبار عن الأعظم الأكبر للمبالغة كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(٦).
وإخراج الممكن الى الممتنع للمبالغة كقوله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ)(٧).
وإخراج الكلام مخرج الشك للمبالغة في العدل والمظاهرة في الحجاج كقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٨).
وحذف الأجوبة للمبالغة كقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ)(٩).
ونقل الباقلّاني تعريف الرّمّاني والوجوه السابقة (١٠) ، ولكنه قرنها قبل ذلك بالغلوّ وقال : «والمبالغة تأكيد معاني القول» (١١). وقال السّجلماسي : «المبالغة هي تأكيد معاني القول» (١٢).
وللبلاغيين والنقاد ثلاثة مذاهب في المبالغة :
الأوّل : أنّها غير معدودة من محاسن الكلام ولا من جملة فضائله ، وحجتهم على هذا هي : أنّ خير الكلام ما خرج مخرج الحق من غير افراط ولا تفريط ، أو كما عبّر عنه حسان بن ثابت بقوله :
وإنّما الشعر عقل المرء يعرضه |
على الأنام فان كيسا وإن حمقا |
__________________
(١) حسن التوسل ص ٢٣٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٢٤.
(٢) البرهان في وجوه البيان ص ١٥٣.
(٣) المائدة ٦٤.
(٤) النكت في إعجاز القرآن ص ٩٦.
(٥) الانعام ١٠٢.
(٦) الفجر ٢٢.
(٧) الأعراف ٤٠.
(٨) سبأ ٢٤.
(٩) الأنعام ٢٧.
(١٠) إعجاز القرآن ص ٤١٤.
(١١) إعجاز القرآن ص ١٣٧.
(١٢) المنزع البديع ص ٢٧١.