وإنّ أشعر بيت أنت قائله |
بيت يقال إذا أنشدته صدقا |
قال الحموي : «وعند أهل هذا المذهب أنّ المبالغة لم تسفر عن غير التهويل على السامع ولم يفر الناظم الى التخييم عليها إلا لعجزه وقصور همته عن اختراع المعاني المبتكرة لأنّها في صناعة الشعر كالاستراحة من الشاعر إذا أعياه إيراد المعاني الغريبة فيشغل الأسماع بما هو محال وتهويل» (١).
الثاني : أنّها من أجلّ المقاصد في الفصاحة وأعظمها في البراعة وحجتهم على ذلك «إنّ خير الشعر أكذبه» و «أفضل الكلام ما بولغ فيه».
الثالث : أنّها فن من فنون الكلام ونوع من محاسنه ومتى كانت جارية على جهة الغلو والإغراق فهي مذمومة. قال ابن رشيق : «فأما الغلوّ فهو الذي ينكر المبالغة من سائر أنواعها ويقع فيه الاختلاف لا ما سواه ، ولو بطلت المبالغة كلها وعيبت لبطل التشبيه وعيبت الاستعارة الى كثير من محاسن الكلام» (٢) وقال ابن مالك : «ولو كانت معيبة لما أتت في القرآن الكريم على وجوه شتى ولبطلت الاستعارة والتشبيه وكثير من محاسن الكلام» (٣). وقال العلوي : «أمّا من عاب المبالغة فقد أخطأ فإنّ المبالغة فضيلة عظيمة لا يمكن دفعها وإنكارها ، ولو لا أنّها في أعلى مراتب علم البيان لما جاء القرآن ملاحظا لها في أكثر أحواله ، وجاءت فيه على وجوه مختلفة لا يمكن حصرها فقد أخطأ من عابها على الإطلاق. وأما من استجادها على الاطلاق فغير مصيب على الاطلاق أيضا لأنّ منها ما يخرج عن الحد فيعظم فيه الغلو والاغراق فيكون مذموما كما سيحكى عن أقوام أغرقوا فيها وتجاوزوا الحد بحيث لا يمكن تصوّر ما قالوه على حال قرب ولا بعد لكن خير الأمور أوساطها فما كان من الكلام جاريا على حدّ الاستقامة من غير إفراط ولا تفريط فهو الحسن لامراء فيه فيكون فيه نوع من المبالغة من غير خروج ولا تجاوز حد» (٤).
وسار على هذا المذهب معظم البلاغيين والنقاد ، فقال الحموي في تعريفها إنّها «إفراط وصف الشيء بالممكن القريب وقوعه عادة» (٥).
ويتّصل بالمبالغة الإغراق والغلوّ وقد تقدّما ، وعدّ ابن رشيق الإيغال ضربا من المبالغة (٦) إلّا أنّه في القوافي خاصة وهذا الفن مما فرّعه قدامة الذي بحث الغلو منفصلا عنها (٧) وفعل مثله التبريزي والبغدادي وابن مالك والصنعاني (٨) وذكرها ابن الأثير الحلبي في باب واحد غير أنّه شرح كل قسم وقال : «هي تسميات متقاربة وردت في باب واحد لقرب بعضها من بعض» (٩). وقال ابن منقذ : «إنّ المعنى إذا زاد عن التمام سمّي مبالغة ، وقد اختلفت ألفاظه في كتبهم فسمّاه قوم الافراط والغلو والايغال وبعضه أرفع من بعض» (١٠).
ولا يخرج تقسيم المتأخرين كالقزويني وشرّاح التلخيص عما تقدّم فهي تبليغ وإغراق وغلو ، ولكنّ أصحاب البديعيات عدّوا كلّ لون من هذه الألوان الثلاثة فنا قائما بذاته قال الحموي : «وهذا النوع ـ أعني المبالغة ـ شركه قوم مع الإغراق والغلو لعدم معرفة الفرق وهو مثل الصبح ظاهر» (١١).
ولو رجعنا الى التعريفات لوجدناها متقاربة ، ولذلك جمعها القزويني في فصل واحد كما فعل
__________________
(١) خزانة ص ٢٢٥.
(٢) العمدة ج ٢ ص ٥٥ ، قراضة الذهب ص ٢٠.
(٣) المصباح ص ١٠١.
(٤) الطراز ج ٣ ص ١١٩.
(٥) خزانة ص ٢٢٥.
(٦) العمدة ج ٢ ص ٥٧.
(٧) نقد الشعر ص ٦١.
(٨) الوافي ص ٢٦٨ ، قانون البلاغة ص ٤٤١ ، المصباح ص ١٠٠ ، الرسالة العسجدية ص ١٥٣.
(٩) جوهر الكنز ص ١٣٥.
(١٠) البديع في نقد الشعر ص ١٠٤.
(١١) خزانة ص ٢٢٥.