جهابذة الشعر عن المقابلة فقال : سألت أبي عنها فقال : «هو أن يضع الشاعر معاني يعتمد التوفيق بين بعضها وبعض أو المخالفة فيأتي بالموافق مع ما يوافقه وفي المخالف بما يخالفه على الصحة أو يشترط شروطا ويعدّد أحوالا في أحد المعنيين فيجب أن يأتي بما يوافقه بمثل الذي شرط فيما يخالفه بأضداد ذلك. قال فقلت له : فانشدني أحسن ما قيل فيه فقال :
لا أعرف أحسن من قول الأوّل :
أيا عجبا كيف اتّفقنا فناصح |
وفيّ ومطويّ على الغلّ غادر |
فجعل بازاء «ناصح» : مطويا على الغل ، وبازاء «وفيّ» : غادرا (١).
وتكلّم عليها قدامة وهي عنده من أنواع المعاني ، قال : «ومن أنواع المعاني وأجناسها أيضا صحّة المقابلات وهي أن يصنع الشاعر معاني يريد التوفيق بين بعضها وبعض أو المخالفة فيأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحة أو يشرط شروطا ويعدّد أحوالا في أحد المعنيين فيجب أن يأتي فيما يوافقه بمثل الذي شرطه وعدّده وفيما يخالف بأضداد ذلك كما قال بعضهم :
فواعجبا كيف اتفقنا فناصح |
وفيّ ومطويّ على الغلّ غادر |
فقد أتي بإزاء كل ما وصفه من نفسه بما يضاده على الحقيقة ممن عاتبه حيث قال بازاء «ناصح» : مطوي على الغل ، وبازاء «وفيّ» : غادر» (٢).
وقال قدامة عن تصحيح المقابلة إنّها «أن يؤتي بمعان» يراد التوفيق بينهما وبين معان أخرى في المضادة فيؤتى في الموافقة بالموافقة وفي المضادة بالمضادة» (٣).
وقال العسكري : «المقابلة إيراد الكلام ثم مقابلته بمثله في المعنى واللفظ على جهة الموافقة أو المخالفة» (٤).
وقال الباقلّاني : «المقابلة هي أن يوفّق بين معان ونظائرها والمضاد بضده» (٥). وعقد لها ابن رشيق بابا غير باب المطابقة وقال : «وأصلها ترتيب الكلام على ما يجب فيعطى أول الكلام ما يليق به أوّلا وآخره ما يليق به آخرا ويأتي في الموافق بما يوافقه وفي المخالف بما يخالفه. واكثر ما تجيء المقابلة في الأضداد فإذا جاوز الطباق ضدين كان مقابلة» (٦).
وقال التبريزي : المقابلة أن يأتي الشاعر في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف» (٧).
وقال البغدادي : «وأمّا المقابلة فهي أن يضع الشاعر معاني يريد التوفيق بينها فيأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحّة أو يشترط شروطا في أحد المعنيين فيأتي بما يوافقه بمثل الذي شرطه وفيما يخالفه بأضداد ذلك» (٨). وقال الرازي : «المقابلة هي أن تجمع بين شيئين متوافقين بين ضدّيهما ثم اذا شرطتهما بشرط وجب أن تشرط ضدّيهما بضد ذلك الشرط» (٩).
ونقل السّكّاكي تعريف الرازي (١٠) وأدخلها في المحسّنات المعنوية بعد أن فصلها عن المطابقة.
ووضعها الصنعاني بين التقسيم والمطابقة وقال : «وأصلها ترتيب الكلام على ما يجب وأن يؤتى من الموافق ما يوافقه وفي المخالف بما يخالفه ، وأكثر
__________________
(١) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٥٢ ، نضرة الاغريض ص ١٢٥.
(٢) نقد الشعر ص ١٥٢.
(٣) جواهر الالفاظ ص ٥.
(٤) كتاب الصناعتين ص ٣٣٧.
(٥) إعجاز القرآن ص ١٣٢.
(٦) العمدة ج ٢ ص ٥.
(٧) الوافي ص ٢٦٤.
(٨) قانون البلاغة ص ٤٣٩.
(٩) نهاية الايجاز ص ١١١ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٦.
(١٠) مفتاح العلوم ص ٢٠٠.