ما تكون المقابلة في الأضداد فاذا جاوزت المطابقة ضدين كانت مقابلة» (١).
وقال ابن شيث القرشي : «المقابلة هي أن يتساوى اللفظان في الكلام المضبوط بالسجعتين ويكون الثاني ضدّ الأول مع التكافؤ في اللفظ» (٢).
وأدخلها جماعة في المطابقة كابن الأثير الذي قال : «اعلم أنّ الأليق من حيث المعنى أن يسمّى هذا النوع المقابلة» (٣). والقزويني الذي قال : «ودخل في المطابقة ما يخصّ باسم المقابلة وهو أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو معان متوافقة ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب» (٤). وجمع ابن الأثير الحلبي بين المطابقة والمقابلة في باب واحد وإن عرّف كلا منهما تعريفا مستقلّا ، قال : «وحدّ الطباق : ذكر الشيء وضده ، وقيل : هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد ، وقيل : هو مساواة المقدار من غير زيادة ولا نقص ، والكل قريب من قريب» (٥). وقال : «فأما حدّ المقابلة : فهو أن تكون اللفظة مقابلة لأختها ومعناها مختلف» (٦).
وقال الحلبي والنّويري : «والمطابقة أن تجمع بين ضدين مختلفين كالإيراد والإصدار ، والليل والنهار ، والسواد والبياض» (٧) ، وقالا عن المقابلة : «وهي أعمّ من الطّباق وذكر بعضهم أنّها أخصّ ، وذلك أن تضع معاني تريد الموافقة بينها وبين غيرها أو المخالفة فتأتي في الموافق بما وافق ، وفي المخالف بما خالف ، أو تشرط شروطا وتعد أحوالا في أحد المعنيين فيجب أن تأتي في الثاني بمثل ما شرطت وعددت» (٨).
وقال الحموي رادّا كلام من ذهب الى أنّ الفنين لون واحد : «وهو غير صحيح فإنّ المقابلة أعمّ من المطابقة ، وهي التنظير بين شيئين فأكثر وبين ما يخالف وما يوافق. فبقولنا : «وما يوافق» صارت المقابلة أعمّ من المطابقة فانّ التنظير بين ما يوافق ليس بمطابقة» (٩).
وفرّق البلاغيون بين اللونين من وجهين :
الأول : أنّ الطباق لا يكون إلّا ضدّين غالبا كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)(١٠) ، والمقابلة تكون غالبا بالجمع من أربعة أضداد : ضدين في أصل الكلام وضدين في عجزه وتبلغ الى الجمع من عشرة أضداد خمسة في الصدر وخمسة في العجز.
الثاني : لا يكون الطباق إلّا بالأضداد ، والمقابلة تكون بالأضداد وغيرها (١١) وتأتي المقابلة على أنواع :
الأوّل : مقابلة اثنين باثنين كقوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً)(١٢) وقول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلّا زانه ولا ينزع من شيء إلّا شانه» وقول النابغة الجعدي :
فتى تمّ فيه ما يسرّ صديقه |
على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا |
__________________
(١) الرسالة العسجدية ص ١٤٣.
(٢) معالم الكتابة ص ٨٢.
(٣) الجامع الكبير ص ٢١٢.
(٤) الإيضاح ص ٣٤١. التلخيص ص ٣٥٢ ، وينظر شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٩٦ ، المطول ص ٤١٩ ، التبيان في البيان ص ٢٨٨ ، شرح الكافية ص ٧٥.
(٥) جوهر الكنز ص ٨٤.
(٦) جوهر الكنز ص ٨٥.
(٧) حسن التّوسّل ص ١٩٩ ، نهاية الأرب ج ٧ ص ٨٩.
(٨) حسن التّوسّل ص ٢٠٣ ، نهاية الأرب ج ٧ ص ١٠١.
(٩) خزانة الأدب ص ٤٧ ، وينظر المنزع البديع ص ٣٤٤.
(١٠) الحج ٦٦.
(١١) الأقصى القريب ص ١٧٩ ، تحرير ص ١٧٩ ، بديع القرآن ص ٣١ ، الفوائد ص ١٨٤ ، البرهان ج ٣ ص ٤٥٨ ، خزانة ص ٥٧ ، معترك ج ١ ص ٤١٦ ، انوار الربيع ج ١ ص ٢٩٩ ، نفحات ص ١٥٦.
(١٢) التوبة ٨٢.