الثاني : مقابلة ثلاثة بثلاثة كقوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ)(١) وقول أبي دلامة :
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا |
وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل |
وقول المتنبي :
فلا الجود يفني المال والجدّ مقبل |
ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر |
الثالث : مقابلة أربعة بأربعة كقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)(٢) ، وقول الشاعر :
يا أمّة كان قبح الجور يسخطها |
دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها |
الرابع : مقابلة خمسة بخمسة كقول الشاعر :
بواطئ فوق خدّ الصّبح مشتهر |
وطائر تحت ذيل الليل مكتتم |
وقول المتنبي :
أزورهم وسواد الليل يشفع لي |
وأنثني وبياض الصّبح يغري بي |
ولم يدخل القزويني هذا البيت في هذا النوع لأنّ اللام والباء فيهما صلتا الفعلين فهما من تمامهما (٣).
الخامس : مقابلة ستة بستة مثل قول الشاعر :
على رأس عبد تاج عزّ يزينه |
وفي رجل حرّ قيد ذلّ يشينه |
قال الصفدي : «هذا أبلغ ما يمكن أن ينظم في هذا المعنى فإنّ أكثر ما عدّ الناس في باب المقابلة بيت أبي الطيب لأنّه قابل فيه بين خمسة وهذا قابل فيه بين ستة» (٤).
هذه أقسام المقابلة المعروفة ، وقسّمها العسكري الى مقابلة في المعنى وهو مقابلة الفعل بالفعل كقوله تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا)(٥) فخواء بيوتهم وخرابها بالعذاب مقابلة لظلمهم ، ومقابلة بالالفاظ كقول عديّ ابن الرقاع :
ولقد ثنيت يد الفتاة وسادة |
لي جاعلا إحدى يديّ وسادها |
وقول عمرو بن كلثوم :
ورثناهنّ عن آباء صدق |
ونورثها إذا متنا بنينا |
وقد تأتي المقابلة باللفظ والمعنى كما في قول الشاعر :
ومن لو أراه صاديا لسقيته |
ومن لو رآني صاديا لسقاني |
|
ومن لو أراه عانيا لفديته |
ومن لو رآني عانيا لفداني (٦) |
وذكر ابن رشيق نوعا من المقابلة سمّاها «مقابلة الاستحقاق» وقال : «لكنّ قدامة لم يبال بالتقديم والتأخير في هذا الباب وأنشد للطّرمّاح :
أسرناهم وأنعمنا عليهم |
وأسقينا دماءهم الترابا |
|
فما صبروا لبأس عند حرب |
ولا أدّوا لحسن يد ثوابا |
فقدّم ذكر الأنعام على المأسورين وأخّر ذكر القتل في البيت الأول وأتى في البيت الثاني بعكس الترتيب وذلك أنّه قدّم ذكر الصبر عند بأس الحرب وأخّر ذكر الثواب على حسن اليد ، اللهم إلا أن يريد بقوله : «فما صبروا لبأس عند حرب» القوم المأسورين إذ لم يقاتلوا
__________________
(١) الاعراف ١٥٧.
(٢) الليل ٥ ـ ١٠.
(٣) الايضاح ص ٣٤٢.
(٤) انوار الربيع ج ١ ص ٣٠٤.
(٥) النمل ٥٢.
(٦) كتاب الصناعتين ص ٣٣٧.