وحذاقها الى أنّ التشبيه ليس من المجاز ؛ لأنّه معنى من المعاني وله حروف وألفاظ تدل عليه» (١) وقال الزركشي : «والمحققون على أنّه حقيقة. قال الزنجاني في المعيار : التشبيه ليس بمجاز لأنّه معنى من المعاني وله ألفاظ تدل عليه وضعا فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه وانما هو توطئة لمن سلك سبيل الاستعارة والتمثيل لأنّه كالأصل لهما وهو كالفرع له.
والذي يقع منه في حيّز المجاز عند البيانيين هو الذي يجيء على حد الاستعارة. وتوسط الشيخ عز الدين فقال : إن كان بحرف فهو حقيقة أو بحذفه فهو مجاز بناء على أنّ الحذف من باب المجاز» (٢).
وذهب آخرون الى أنّه مجاز ، والى ذلك أشار ابن قيم الجوزية بقوله : «والذي عليه جمهور أهل الصناعة أنّ التشبيه من أنواع المجاز ، وتصانيفهم كلها تصرح بذلك وتشير اليه» (٣). ولعل ابن رشيق أشهر من صرّح بذلك فقال : «وأما كون التشبيه داخلا تحت المجاز فلان المتشابهين في أكثر الأشياء إنّما يتشابهان بالمقارنة على المسامحة والاصطلاح لا الحقيقة» (٤).
وقرّر ابن الاثير أنّ المجاز قسمان : توسّع في الكلام وتشبيه ، والتشبيه ضربان : تشبيه تامّ وتشبيه محذوف وهو الاستعارة ، ثم قال : «وإن شئت قلت : إنّ المجاز ينقسم الى توسع في الكلام وتشبيه واستعارة ، ولا يخرج عن أحد هذه الأقسام الثلاثة ، فأين وجد كان مجازا». ثم قال : «ألا ترى أنّه إذا وجد التشبيه وحده كان ذلك مجازا» (٥). وحسم العلوي الموضوع بعد أن تحدث عن التشبيه فقال : «والمختار عندنا كونه معدودا في علوم البلاغة لما فيه من الدقة واللطافة ولما يكتسب به اللفظ من الرونق والرشاقة ولاشتماله على إخراج الخفيّ وإدنائه البعيد من القريب ، فأما كونه معدودا في المجاز أو غير معدود فالأمر فيه قريب من قريب بعد كونه من أبلغ قواعد البلاغة وليس يتعلق به كبير فائدة» (٦).
والحق أنّ التشبيه مجاز ؛ لأنّه يعتمد على عقد الصلة بين شيئين أو أشياء لا يمكن أن تفسر على الحقيقة ، ولو فسرت كذلك لأصبح كذبا ، وهو الفن الكثير الاستعمال في كلام العرب. ويبدو أنّ عدم الانتقال فيه من معنى الى آخر كما في الاستعارة دعاهم الى إخراجه من المجاز الذي هو استعمال الكلمة في غير ما وضعت له أو إسناد أمر الى آخر على سبيل التوسع.
وللتشبيه أربعة أركان هي : المشبّه والمشبّه به وأداة التشبيه ووجه الشبه ، ويطلق على المشبّه والمشبّه به اسم «طرفي التشبيه» وهما الركنان الأساسيان في التشبيه. وينقسم باعتبارهما الى أربعة أقسام :
الأول : أن يكونا حسّيّين ، والمراد بالحسي ما يدرك هو أو مادّته بإحدى الحواسّ الخمس الظاهرة :
البصر والسمع والشّمّ والذوق واللمس. ومن ذلك قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ. كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ)(٧). وقول الشاعر :
وكأنّ أجرام السّماء لوامعا |
درر نثرن على بساط أزرق |
وقال الآخر :
كأنّ المدام وصوب الغمام |
وريح الخزامى وذوب العسل |
|
يعلّ بها برد أنيابها |
إذا النجم وسط السماء اعتدل |
وقول الآخر :
__________________
(١) الفوائد ص ٥٤.
(٢) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤١٥.
(٣) الفوائد ص ٥٤.
(٤) العمدة ج ١ ص ٢٦٨.
(٥) المثل السائر ج ١ ص ٣٥٦ ، ٣٦٦.
(٦) الطراز ج ١ ص ٢٦٦.
(٧) الصافات ٤٨ ـ ٤٩.