عليهالسلام؟ فقيل : (قالَ سَلامٌ.) ومنه قول الشاعر :
زعم العواذل أنّني في غمرة |
صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي (١) |
لما حكى عن العواذل أنّهم قالوا : هو في غمرة ، وكان ذلك مما يحرك السامع لأن يسأل فيقول : فيما قولك في ذلك وما جوابك عنه؟ أخرج الكلام مخرجه اذا كان ذلك قد قيل له وصار كأنه قال : أقول : صدقوا ، أنا كما قالوا ولكن لا مطمع لهم في فلاحي. ولو قال : «زعم العواذل أنّني في غمرة وصدقوا» لكان يكون لم يصح في نفسه أنّه مسؤول وأنّ كلامه كلام مجيب (٢).
وقد يحذف صدر الاستئناف لقيام قرينة كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ. رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ)(٣) فيمن قرأ (يُسَبِّحُ) مبينا للمفعول كأنه قيل : من يسبحه؟فقيل : رجال.
وقد يحذف الاستئناف كله ويقام ما يدل عليه مقامه كقول الشاعر :
زعمتم أنّ إخوتكم قريش |
لهم إلف وليس لكم إلاف (٤) |
حذف الجواب الذي هو «كذبتم في زعمكم» وأقام «لهم إلف وليس لكم إلاف» مقامه لدلالته عليه.
ويجوز أن يقدر قوله : «لهم إلف» جوابا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف كأنّه لما قال المتكلم «كذبتم» قالوا : «لم كذبنا؟» فقال : «لهم إلف وليس لكم إلاف» فيكون في البيت استئنافان.
وقد يحذف ولا يقام مقامه شيء كقوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ)(٥) أي أيوب ، أو : هو لدلالة ما قبل الآية وما بعدها عليه.
الرابع : أن يكون بين الجملتين «شبه كمال الانقطاع» وذلك بأن تكون الجملة الثانية بمنزلة المنقطعة عن الاولى وينبغي هنا الفصل لأنّ عطفها عليها موهم لعطفها على غيرها ، ويسمّى هذا الفصل «قطعا» ، ومنه قول الشاعر :
وتظن سلمى أنني أبغي بها |
بدلا أراها في الضّلال تهيم |
لم يعطف «أراها» على «تظن» لئلا يتوهم السامع أنّه معطوف على «أبغي» لقربه منه مع أنّه ليس بمراد ، ويحتمل الاستئناف.
الخامس ، أن تكون الجملتان متوسطتين بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع مع قيام المانع من الوصل كأن يكون للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية كقوله تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ، اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٦).
فجملة (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) لا يصحّ عطفها على جملة (قالُوا ...) لئلا يلزم من ذلك اختصاص استهزاء الله بهم غير ميقّد بوقت من الاوقات ، ولا يصح أن تعطف جملة (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على جملة «إنا معكم» لئلا يلزم أن تكون من مقول المنافقين مع أنّها من مقول الله تعالى : ويجب الوصل في ثلاثة مواضع : الاول ، أن يكون بين الجملتين كمال الانقطاع مع الايهام وذلك بأن تكون إحداهما خبرية والأخرى انشائية ولو فصلت لأوهم الفصل خلاف المقصود ومنه قول البلغاء : «لا ، وايدك الله».
الثاني : أن تكون الجملتان متفقتين خبرا وإنشاء لفظا ومعنى كقوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَ
__________________
(١) الغمرة : الشدة.
(٢) ينظر دلائل الاعجاز ص ١٨٢.
(٣) النور ٣٦ ـ ٣٧.
(٤) الالف والايلاف : العهد.
(٥) سورة ص ٤٤.
(٦) البقرة ١٤ ـ ١٥.