١١ ـ (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) ... : أي أنه سبحانه جعل للإنسان ملائكة يتعاقبون في حفظه أمامه ووراءه ومن جميع جهاته وقد ذكر جهتين إمّا من أجل المثل أو من باب الأهميّة التي تعبّر عن رقابته لمخلوقه ، وفي قراءتهم عليهمالسلام : له معقّبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه من أمر الله. وعن الباقر عليهالسلام (مِنْ أَمْرِ اللهِ) يقول : بأمر الله من أن يقع في ركيّ (أي بئر) أو يقع عليه حائط ، أو يصيب شيء ، حتى إذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل ، وملكان يحفظانه بالنهار ، يتعاقبانه (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من عافية أو نعمة (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من الطاعة بالمعصية أو العكس. وفي الأثر أنه لمّا أكدّ تحريم الخمر كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يمرّ يوما في بعض طرق المدينة فإذا شابّ أنصاريّ وعلى رأسه قربة شراب ، فلمّا رأى النبيّ صلىاللهعليهوآله تغيّر لونه وخاف خوفا شديدا ولم يجد سبيلا إلى الفرار ، فناجى ربّه سرّا قائلا : اللهم إنّك إن سترت عليّ أمري فأنا أتوب إليك من عملي هذا ـ وكان شارب الخمر ـ فوصل إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فسأله النبيّ : ما على رأسك؟. فقال (خَوْفاً) : خلّ يا رسول الله. فقال رسول الله (ص) : جئنا حتى نشرب قليلا. فجاء به وهو يرتعش ، فرآه النبيّ (ص) قد تحوّل إلى خلّ خالص فشرب (ص) منه وسقى أصحابه الذين كانوا معه ، فتعجّب الشابّ وقال : يا رسول الله ، وحقّ من بعثك بالرسالة إن هذا كان خمرا خالصا. فقال (ص) : صدقت ، لكن لمّا رأيتني وتبت إلى ربّك إن ستر عليك أمرك فالله تعالى صيّر الخمر خلّا بقدرته الكاملة حتى لا تفتضح عندنا. فالله تعالى نظر إلى صدق نيّتك ، ثم تلا هذه الآية : إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) أي عذابا وبلاء (فَلا مَرَدَّ لَهُ) أي لا مدفع له ولا يستطيع أحد إرجاعه (وَما لَهُمْ) للناس جميعا فإنهم ليس لهم (مِنْ والٍ) مالك يقدر أن يلي أمورهم ويستطيع أن يرد السوء عنهم ويتولّى مصالحهم وجميع شؤونهم.
* * *