نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) أي أنهم عراة لا يتّقون أشعّتها بأيّ لباس ، وليس في أرضهم أي جبل أو شجر أو بناء لأنها أرض رخوة لا يثبت عليها بناء مضافا إلى أنهم لم يعرفوا بناء البيوت ولا وضع الثياب على الأجساد.
٩١ ـ (كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) : أي أن أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكانة وبسطة الملك والسلطان النافذ على الشرق والغرب ، مضافا إلى إحاطتنا ومعرفتنا بما معه من جند كثير ، وعدّة عديدة ، وعلم غزير ، ممّا لم يحط به غير اللطيف الخبير.
٩٢ و ٩٣ ـ (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) : ثم تابع مسيره (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) أي وصل إلى ما بين جبلين فاجتازهما ف (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) وراءهما (قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) لم يفهموا قوله ولا عرف لغتهم لغرابتها ولقلة فهمهم في التعبير والإشارة. والظاهر أنهم الصينيون وما وراءهم في منقطع بلاد التّرك في أقصى الشرق ، وقد ألهمه الله تعالى كيفية التفاهم معهم كما علّم سليمان عليهالسلام منطق الطير.
٩٤ ـ (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) ... أي أنهم كلّموه رأسا أو بواسطة ترجمان ولكن الأول أصح بمقتضى عموم قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ومنه تعليمه اللّغات على اختلافها وكثرتها حتى يقدر على إرشاد الناس عامة والتكلم معهم في أمور معاشهم ومعادهم وانتظام ممالكهم وما يحتاجون إليه ـ أجل ، قالوا له : (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) وهما قبيلتان من ولد يافث بن نوح عليهالسلام (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالقتل والنهب والإتلاف ، فقد قيل إنهم كانوا يأكلون كلّ ما يدبّ على الأرض حتى الناس (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) مبلغا من المال. وقرئ : خراجا ، والفرق بينهما أن الخراج اسم لا يخرج من الأرض ، والخرج اسم لما يخرج من المال. وقيل : الخراج : الغلة ، والخرج : الأجرة. فهل ترضى بأخذ مبلغ من المال (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) أي من أجل أن تجعل فاصلا ما بيننا وبينهم يحجزهم عنّا كالسور وغيره.