حال كونها مسخّرة لحكمه وتدبيره تعالى وتقدس أمّا منافع اللّيل والنهار فكثيرة ، منها كون اللّيل للاستراحة والنهار لتحصيل أمر الإعاشة ، وأما الشمس والقمر أيضا فمنافعهما أكثر من أن تحصى ، منها إنضاج الفواكه وإدراك الزرع وإنبات النباتات ومعرفة حساب الشهور والسنين وغيرها من المنافع المدركة وغير المدركة. وأما النجوم فلمعرفة الطّرق وتشخيصها وتعيين الأوقات والجهات لأرباب السفن والملاحين وغيرهم من أهل البوادي والصحاري. ومن منافعها تزيين السماء الدّنيا لأهل الأرض وإضاءتها لهم في الليالي غير المقمرة. فهذه وغيرها ممّا لا ندركه ، خلقه (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي لأرباب العقول الذين هم أهل التدبّر والاعتبار. ففي الكريمة السابقة لهذه الآية قال تعالى : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، لأن أحوال النباتات ليست خالية عن الخفاء ولدلالتها على وجود الصانع الحكيم محتاجة إلى مزيد عناية وفكر كما لا يخفى ، بخلاف دلالة اللّيل والنهار والكواكب مطلقا فإن دلالتها ظاهرة لا ريب فيها لكل عاقل ولذا قال سبحانه : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
١٣ ـ (وَما ذَرَأَ لَكُمْ) ... أي خلق ، عطف على الليل ممّا سخّر لكم وممّا خلق لانتفاعكم (فِي الْأَرْضِ) من حيوان ونبات ومعادن ومطاعم ومشارب (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أي أشكاله وأصنافه فإنها تتخالف باللون غالبا. وفيها دلالات للمتدبّرين على أن المؤثر غير الطّبيعة ، لأن الطبيعة الواحدة في المادة الواحدة يجب أن تجعلها متشابهة ومتشاكلا بتأثيرها. فمثلا إذا وضعت شمعة في فضاء واستضاء ذراع من جوانب الشمعة وجب أن يكون الضّوء في المقدار المستضيء متساويا ولا يمكن أن يكون الضوء مختلفا في الفضاء عن الذراع بحسب النور الذي يترامى إلى كل الجهات بمعدل واحد. وهذا أمر واضح فإذا ثبت نقول : إن نسبة الشمس والقمر والأنجم والأفلاك والطبائع مطلقا بالنسبة إلى ورقة لطيفة من الورد نسبة واحدة ، ومتى كانت نسبة المؤثر واحدة لا بدّ وأن يكون الأثر متشابها ، ولكننا نرى وجدانا أن الأثر غير متشابه : فنصفهما في غاية السواد والنصف الآخر في غاية البياض ، فاختلاف الأثر دليل قاهر على أن الطبيعة بنفسها ليست مؤثرة بل