ولا في السماء ، والذي لا يغرب عنه مثقال ذرّة فما دون ذلك من عباده ، وأنهما إنما وردا هنا لإظهار المودّة والشفقة والرحمة ، ولذا التفت من الضمير (بِيَمِينِكَ) إلى الظاهر (يا مُوسى) لأن في ذكر اسم المحبوب نوعا من التلطّف ليس في غيره كما لا يخفى على أهل المعرفة وأصحاب الذوق السليم. نعم ، في النداء بالكنى والألقاب نوع من الاحترام ليس في الأسماء ، فيا أبا فلان ، أجمل من يا فلان ، بل في النداء بالاسم في بعض الأوقات من شخص إلى آخر قد يوحي بالهتك ويكون خلاف الاحترام ولكنه من الأغيار لا من الحبيب إلى حبيبه فإن الأمور المتعارفة عند الناس ساقطة بين الحبيبين بحيث صار معروفا أنها تسقط الآداب بين الأحباب لأن مودّتهم ليست منوطة بالأمور الظاهرية من العناوين والتشريفات التي يمارسها أهل الظاهر من الحشويّة والقشوريّة ومن شابههما ممّن لا تبقى المودة بينهم إلّا ببقاء التشريفات والتعارفات. وأين هذا من المودة لله وفي الله ومن الله؟ إن مودّته سبحانه فوق المودّات المرسومة لدى الآخرين ، لأنها تصير سببا للاتحاد والوحدة بحيث كأنّ الحبيب مع حبيبه شخص واحد ، وبحيث كأن المحبّ قد حلّ في محبوبه ، ومن أجل ذلك نهى النبيّ صلىاللهعليهوآله ابنته فاطمة الزهراء عليهاالسلام أن تقول : يا رسول الله ، وقال لها قولي : يا أبتاه. ذاك أن القول كذلك بين الأحباب يجلب الحياة للقلب والسرور إلى الفؤاد والراحة إلى النفس.
أجل ، قد صدر هذا السؤال الكريم من عالم الغيب بأجمل تعبير : وما تلك العصا التي تحملها بيمينك؟ مع علمه السابق سبحانه بما سأل عنه.
١٨ ـ (قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) ... هذا الجواب بهذه الأمور الواضحة التي لا تناسب لأن يجاب بها الله تعالى الذي أحاط بكلّ شيء علما ، أوّل دليل على ما قلناه في الآية الكريمة السابقة من أن المراد بالحوار إطالة الحديث مع الحبيب بعبارات وألفاظ مختارة غاية الاختيار. فهل العصا لأكثر من (التوكّؤ عليها) أي الاعتماد عليها عند التعب؟ ... وهل هي لمن