عنهم ومشى إلى ناحية حياء من ردّهم وطلبا من فضل ربّه حتى يعطيهم ، فنزلت الشريفة. وحاصلها إن تعرض عن هؤلاء الذين أمرتك بإيتاء حقوقهم من الفقراء وأبناء السّبيل عند مسألتهم إياك حياء منهم لتبتغي الفضل من الله والسّعة التي تأملها من ربّك ، فلا تعرض بل قل لهم قولا ليّنا وعدهم وعدا جميلا أو أدع لهم باليسر ، مثل : يرزقنا الله وإياكم. وروى العيّاشي أن النبيّ صلىاللهعليهوآله كان لما نزلت الآية إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال : يرزقنا الله وإياكم من فضله.
٢٩ ـ (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً) ... أي لا تقبضها عن الإنفاق كل القبض ولا تكن ممّن لا يعطي شيئا ولا يهب ، فتكون بمنزلة من يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الإعطاء والبذل. وهذا مبالغة في النهي عن الشح والإمساك (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) أي لا تعط جميع ما عندك فتكون بمنزلة من بسط يده حتى لا يستقر فيها شيء. وهذا ان النّهيان كناية عن نهي التقتير والإسراف ، فلا بدّ من الاقتصاد في الأمور كما هو المأمور به الذي هو الكرم والجود (فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) فتصير ملوما بالإسراف عند الله وغيره تعالى محسورا أي عريانا أو منقطعا ليس عندك شيء تعيش في حسرة على ما فعلته. وعن الصادق عليهالسلام أن امرأة أرسلت إلى النبيّ ابنا لها فقالت انطلق إليه فاسأله فإن قال ليس عندنا شيء فقل : أعطني قميصك. قال فأخذ قميصه وأعطاه فلم يقدر على الخروج إلى الصلاة ، فأدّبه الله تعالى على القصد فقال : ولا تجعل يدك إلى آخرها.
٣٠ ـ (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) ... إن الله تعالى مع سعته خزائنه وعدم نفادها قد يوسّع مع هذا ويأخذ مع ذاك سنّة الاقتصاد ، وما وسّع على عباده تمام التوسعة ولاقترّ عليهم تمام التقتير لمصالح اقتضت البسط على بعض عباده والتقتير على الآخر ، بل ربما اقتضت الحكمة البسط والتقتير على فرد واحد في زمان دون زمان ، فيدبّره على ما يراه من الصّلاح. فالعباد لا بد ان يأخذوا هذه السنّة ديدنهم بطريق أولى ، وان