والأرض آلهة غير الله تتمكّن من التصرف لفسدت السماوات والأرض ، وهذا دليل آخر على امتناع الشركة. بيان ذلك أن مفاد الآية هو الذي بنى عليه المتكلمون مسألة التوحيد بتقرير أنه لو كان مع الله سبحانه إله آخر لكانا قديمين والقدم من أخص الصفات والاشتراك فيه يوجب التماثل ، فيجب أن يكونا قادرين عالمين حيّين. ومن شأن كل قادرين أن يصح كون أحدهما مريدا لضدّ ما يريده الآخر من إماتة أو إحياء ، أو تحريك أو تسكين ، أو إفقار أو إغناء ونحو ذلك. فإذا فرضنا ذلك فلا يخلو إمّا أن يحصل مرادهما فينتقض كونهما قادرين ، وإما أن يقع مراد أحدهما ولا يقع مراد الآخر بعينه فينتقض كون من لم يقع مراده من غير وجه منع معقول قادرا. فإذا ، لا يجوز أن يكون الإله إلّا واحدا.
فإن قيل : إنهما لا يتمانعان لأن ما يريده أحدهما يكون عن حكمة ومصلحة فيريده الآخر بعينه فلا تمانع بينهما ، فالجواب أن كلامنا في صحة التمانع وعدمه لا في وقوعه وصحته ، فيكفي في الدلالة لأن يدل على أنه لا بد من أن يكون أحدهما متناهي المقدور ، فلا يجوز أن يكون إلها. فلو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا سواء توافقا أم تخالفا. أما الثاني فظاهر ، وأما الأول فلأن تأثير كلّ منهم يمنع تأثير الآخر فيه مرة أخرى لاستحالته (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي تنزّه ربّ العرش العظيم الحاوي لأجزاء جميع الكائنات ، المحيط بجميع الموجودات ، الذي هو مصدر التدابير ومنشأ المقادير ، تنزّه وتعالى عمّا يصفونه به من اتّخاذ الشريك والصاحبة والولد.
٢٣ ـ (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) : أي لا يسأله أحد عن فعل يفعله لأنه لا يفعل إلّا عين الحكمة ، بل العباد يسألون عن أفعالهم لأنهم يصيبون ويخطئون.
٢٤ ـ (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ... كرّر هذا القول استفظاعا لأمرهم وإظهارا لجهلهم (قُلْ) لهم يا محمد : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أعطوا دليلكم على