على معرفته ويتوصل بالنظر فيهما إلى العلم بكمال قدرته وحكمته البالغة الحقّة (تَعالى) سما وارتفع وعزّ (عَمَّا يُشْرِكُونَ) معه غيره في الألوهية.
٤ ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) ... أي ابتدعه وأوجده من ماء ضعيف مهين سيّال ، غير قابل لأي وضع لا في شكل ولا حجم. وهي كأنها جماد محض لأنها لا تحسّ ولا تدرك ، فدبّرها وربّاها وصوّرها في أحسن صورة وجعل منها إنسانا ذا عقل وفهم وإدراك كامل (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) فإذا بهذا الإنسان الضعيف الذي تعهّده صانعه وأنشأه ، مجادل له منازع فيه ، ينكر ربوبيّته ووجوده ويلحد بأسمائه وقدرته بشكل واضح سافر وبدون أدنى خجل. وفي هذه الكريمة يبيّن سبحانه أسمى مراتب الإنسان وأكملها وأرقاها ، وأحطّ درجاته وأنقصها وأدناها. ولعلّها نزلت في أبي بن خلف حين جاء النبيّ صلىاللهعليهوآله بعظام رميمة وقال : يا رسول الله ، من يحيي هذه العظام وهي رميم؟ فنزلت الكريمة بأنه : لم لا تستدل على الموجود بدءا بالإعادة ، وبالإحداث على الإرجاع ، مع أن الإنشاء الأول أعجب من إعادة الذي كان موجودا وأصعب وأكثر إشكالا؟ وأنّ من قدر على الأول يقدر على الثاني بالأولى لأنه إيجاد موجود من موجود بخلاف الأول ، ولمّا كان كان هو تعالى في مقام إظهار قدرته بإنزال العذاب على المشركين وإرسال الملائكة على الأنبياء والمرسلين لأمور منها الاعلام بوجود الصّانع الحكيم وتوحيده ، والتخويف من مخالفته ، وخلق السّماوات والأرض والإنسان من العدم إلى الوجود ، فقد شرع في بيان إعطاء النعم لعباده فقال :
٥ ـ (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها) ... أي الأصناف الثمانية (خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) أي ما تستدفئون به من البرد من الألبسة الصّوفية والوبريّة وهي لكم : لمنفعتكم (وَ) لكم أيضا فيها (مَنافِعُ) من نسل ودرّ وركوب (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ما يؤكل منها نحو اللّحوم والشّحوم والألبان.
٦ ـ (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) ... أي زينة (حِينَ تُرِيحُونَ) أي زمان تردّونها