في القمر خطوطا سوداء. ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم يمح لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ، ولا عرف الصائم كم يصوم ولا عرف الناس عدد السّنين والأشهر في محاسبة بعضهم مع بعض ، وغير ذلك من الفوائد الكبيرة الكثيرة.
١٣ ـ ١٤ ـ (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ) ... الإنسان أعمّ من الذكر والأنثى ، واشتقاقه من الإنس ، فهو على فعلان. أو من النسيان حذفت الياء تخفيفا (أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) أي أن عمله ملازم له لزوم القلادة للعنق فلا يفارقه. والمراد بالطائر عمله الذي يتطيّر به أي يتشأمّ به. ويقال للعمل الطّائر إمّا من الطّيرة لأن العرب جرت عادتهم بأن يتشاءّموا وبالأخص بالطّيور نوعا فكانوا إذا أرادوا أن يسافروا أو يفعلوا عملا آخر يطير طيّر عن يمينهم فيتفاءلون به الخير ، وإذا طار عن شمالهم يتشاءمون به الشرّ ، فهو سبحانه استعار الطائر عما هو سبب للخير كالعمل الصّالح أو سبب للشر كالأعمال السيئة ومعني (فِي عُنُقِهِ) أن عهدته في رقبته أي ما في الكتاب في الرقبة. ولعل بهذه الجهة يقال ويعبّر عمّا يتشاءّم به طيرة. ويقول العرب جرى لفلان طائره بكذا من الخير أو الشّر ، فخاطبهم الله تعالى بما يستعملونه ، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر يلزم أعناقهم. وإمّا لأنّه يقال ليوم القيامة ومن أسمائه يوم تطّاير الكتب حيث إن أعمال البشر مكتوبة في الصّحف وهي في ذلك اليوم تنزل من فوق رؤوس الخلائق وتقع في أيلايهم منتشرة في الجوّ كالطّيور قبل وقوعها في الأيادي ، وبعده تلازمهم ولا تفارقهم حتى يفرغوا من محاسبتهم فإمّا إلى جنّة أو الى نار أعاذنا الله منها بفضله ورحمته (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً) أي عند المحاسبة يرى صحيفة مفتوحة عليه ليقرأها فيقال (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) أي اقرأه في نفسك حتى تعلم ما فيه من أعمالك ـ وهذا لطف منه تعالى على عباده حتى لا يطّلع على ما فيها أحد من خلقه فيفتضح وتنكشف سريرته على الخلائق وعلى رؤوس الاشهاد. يا ستار لا تفضحنا عند خلقك. و (حَسِيباً) أي محاسبا أنت نفسك. ولقد أنصف من