وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠))
٣٨ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً) ... فقد عيّر بعض المشركين كعبد الله بن أمية وأتباعه ، وكثيرين من اليهود ، عيّروا نبيّنا صلىاللهعليهوآله بأنه كثير الأزواج مهتمّ بالنساء ، وأنه لو كان رسولا لما اعتنى بالنساء ولا أعار المرأة أهمية ، فنزلت هذه الكريمة تبيّن أن الرسل من قبله قد كانت لهم نسوة وأزواج كثيرات كسليمان عليهالسلام الذي روي أنه كان له مائة زوجة وسبعمائة سريّة ، وقيل ثلاثمئة زوجة مع السّريّات ، وأنه كان لداود عليهالسلام مائة امرأة ، فلا ينبغي أن يستنكر زواج نبيّنا صلىاللهعليهوآله. ثم إنهم كانوا قد طلبوا منه إنزال الآيات والمعاجز ليؤمنوا فأجابهم سبحانه أن قل لهم : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) أي معجزة (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) برخصته وبمشيئته فإن شاء أظهرها وإن شاء منعها ، ولا اعتراض عليه سبحانه ولا على رسله. هذا وقد كانوا لا يأبهون بما يخوّفهم به من عذاب الله وسخطه ، وكانوا يطعنون بقوله حين يتأخر عليهم ذلك العذاب الموعود وينكرون نبوّته وأنه لو كان صادقا لنزل بهم ما يعدهم به فأجاب الله على قولهم بقوله سبحانه : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) أي أن العذاب وغيره من الأمور التي ستنزل بهم ، كلّها لها مواقيت مقدّرة معيّنة في اللوح المحفوظ وليست الآجال بأيدي الرّسل ولا هي تجري بحسب شهوات الناس ، بل كلّ عذاب ، وكلّ أمر ينزل في وقته وعلى حسب المصالح التي قدّرها الله تعالى ، وهي كآجال الموت والحياة وكقوله : (ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
ثم أوردوا على أنفسهم شبهة أخرى فقالوا : لو كان صادقا في دعوى الرّسالة لما نسخ الأحكام التي كانت في الشرائع السابقة نحو ما كان في التوراة والإنجيل ، فقال عزّ من قائل :
٣٩ ـ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) ... : فهو ينسخ ما يشاء ويبقي ما يريد في كلّ عصر وكلّ زمان بحسب ما تقضي مصالح العباد.