سبّابته والوسطى. ولذا صار خاتم الأنبياء. وقال سبحانه : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) ـ أي يوم القيامة ـ (وَنَراهُ قَرِيباً). ووجه آخر لوصفها بالقرب هو أنّ كل آت قريب ، وأن ما بقي من عمر الدنيا المقدّر لها ، أقلّ مما ذهب. وفي الجوامع عن أمير المؤمنين عليه آلاف التحية والسلام : إن الدنيا ولّت حذّاء ـ أي انصرمت خفيفة سريعة ـ ولم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء. وعلى كل حال فقد وصفت بالقرب لسرعة مضيّ ما بقي ، ولأن كل آت قريب محقّقا. وحكي أن قس بن ساعدة ركب يوما على ناقته في سوق عكاظ وراح يقول : أيّها الناس ، إن من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ..
فكل ما سيأتي هو بحكم ما أتى ، وقد ذكر سبحانه الحساب هنا من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم ، فقد اقترب حساب الناس (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) ساهون عن يوم القيامة وأهواله والحكم العدل فيه (مُعْرِضُونَ) عن الإيمان بالساعة والقيامة والمحاسبة والتفكّر في أمر ذلك اليوم العصيب.
٢ و ٣ ـ (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) أي ما يجيئهم هذا القرآن الجديد عليهم ، أو أن المحدث هو تنزيله شيئا فشيئا ، ما يجيئهم ذلك من ربّهم (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) استمعوا تلاوته مستهزئين به لفرط إعراضهم عنه. ونرجّح أن الذّكر المحدث هو القرآن الكريم بكامله ، لا تنزّل آياته منجّمة ، لأن ذلك خلاف الأصل ، ولأن القول الأول يردّ قول الأشاعرة الذين قالوا : إن القرآن لا يصحّ أن يتّصف إلّا بما يتّصف به قائله ، أي أنه قديم كما أنه سبحانه وتعالى قديم. والحاصل أن كفرة قريش يستمعون القرآن (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) غافلة عن تدبّره والتفكّر بآياته وبيّناته ، ولاهية : حال من الواو في : يلعبون (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) أي أخفوا التناجي به فلم يشعر بما كانوا يقولونه بشأن النبيّ إلّا الله عزوجل ، إذ كانوا يقولون فيما بينهم (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) والجملة بدل من النجوى وبيان له ، أي أنه ليس بملك فليس برسول ، وما يأتي به سحر ، كما أخبر تعالى عن