لوالدهم على أن أخذ أخيهم مفيد لهم في كل حال ، فهم يحاولون إرضاءه بتعداد المحسّنات : كإيفاء الكيل ، وردّ الثّمن ، وحسن المثوى ، وزيادة كيل بعير لأخيهم. فلا يجوز ـ يا أبانا الكريم ـ أن نقابل إحسان هذا الملك العظيم بردّ طلبه الذي لا نجد له عذرا نعتذر به ..
فلما اختتموا كلامهم واستمع أبوهم إلى مقالتهم ، تدبّرها ورأى أنه لا مندوحة له عن إرسال أخيهم معهم رغم أنه عزيز عليه كيوسف ، باعتبار أن له عائلة كثيرة وأسرة جليلة وليس عنده ما يعولهم ويموّنهم أثناء هذا القحط الشديد ، وباعتبار أن لطف الله تعالى جعل قلب ملك مصر يهوي إليه وإلى أولاده فيوفي لهم الكيل ويرجع الثمن ويحسن ضيافتهم ، فلا بد من أن يقابل هذا الإحسان بأحسن منه ، وحيث أنه لا يتمكن الآن من تقديم الأحسن فلا أقلّ من إجابة سؤله وقضاء مأموله وتنفيذ طلبه الذي يتلخّص بإرسال ولده العزيز بنيامين ليمتري مع إخوته ، فلذا أرضى نفسه بالقبول بإرساله مشروطا بما يلي :
٦٦ ـ (قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً) ... أي أنني لما رأيت منكم من الغدر بيوسف ، فأنا لن أرسل أخاه معكم إلّا بعد أن تعطوني موثقا : عهدا وثيقا بإشهاد الله سبحانه وتعالى وبالحلف عليه حتى اعتبره موثقا مشهودا (مِنَ اللهِ) عزوجل (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) أي لترجعنّه سالما ولا تغدرون به كغدركم بأخيه (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) أي إلّا في حال أن يحدق بكم أعداء من جميع جوانبكم ، ويتغلّبون عليكم بما لا تطيقون دفعه كالموت ونحوه مما لا يقدر الإنسان على مقاومته فحينئذ يسقط التكليف (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) يعني أبرموا له عهدهم وحلفهم. والموثق مصدر على وزن مفعل وهو ما يوثق به ويطمأنّ إليه من العهد والحلف والضمان (قالَ) يعقوب عليهالسلام : (اللهِ) تعالى شاهد على ذلك ، وهو (عَلى ما نَقُولُ) فيما بيننا (وَكِيلٌ) أي مفوّض ومعتمد وكاف أفوّض إليه أمري لا إلى غيره. فإن أنتم وفيتم بعهدكم كافأكم على وفائكم ، وإن خنتم وغدرتم عاقبكم وجازاكم بما تستحقون .. قال هذا ، وأرسل بنيامين معهم. ثم لمّا تجهّزوا