بيع واحد من السيارة لعزيز مصر ، أرادوا أن يتخلصوا من التّبعة لأنهم لم يروا فيه إلّا سيماء السادة.
وعلى كل حال ، فإن عزيز مصر الذي ابتاعه من السيارة ـ بثمن ما يساويه في الوزن من المسك والحرير والورق ـ أي الفضة المسكوكة ـ ثم قال لزوجه : أكرمي مثواه : أي اجعليه عندك كريم المقام محفوظ المنزلة وأحسني تربيته وتعهّده ، وعلّل قوله هذا لها بما رآه من وسامته ورفيع تهذيبه وجماله خلقا وخلقا ، ثم بقوله : (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) أي يقوم بمهماتنا وإصلاح أمورنا ، فيفيدنا في أملاكنا وضياعنا وعقارنا ، لأن علائم الرّشد بادية على جبينه الأزهر. ثم زاد في التعليل قائلا : (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) يعني نتبنّاه. لأن عزيز مصر المذكور كان عقيما ولم يرزق ولدا. وفي القمي : لم يكن للذي اشتراه ولد ، فأكرموه وربّوه فلما بلغ أشدّه هويته امرأة العزيز ، بل كانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلّا هويته ، ولا رجل إلّا أحبه ، إذ كان وجهه كالبدر الطالع وأخلاقه وشمائله لا يوفّيها وصف (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) أي أنعمنا عليه بأن أنجيناه من المهالك ، ومنحناه عنايتنا وتأييدنا فجعلناه سلطانا وأعطيناه قدرة وسطوة في (الْأَرْضِ) أي أرض مصر ليقيم العدل فيها ، وثبّتنا قدمه لنرفع من قدره (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي نلقّنه تعبير المنامات وتفسير الأحلام ، التي من عمدتها ـ وعلى رأسها ـ رؤيا صاحبي السجن ورؤيا الملك. وقد أدّى علمه في التعبير إلى الرئاسة العظمى وجعله على خزائن مصر. ويحتمل أن يكون المراد تعليمه الأحكام وإرساله إلى الخلق فيتحقّق بتبليغها أمر نبوّته (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) أي لا يمنع من مشيئته شيء ، والأمور تجري على ما شاء وما قدّر في سابق علمه ، لا على ما دبّر من لدن أخوة يوسف إذ أرادوا به السوء فأراد الله تعالى له كل خير وكان ما أراد الله تعالى (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي يجهلون تقديره وتدبيره إذ الأمور كلها بيده عزّ اسمه.
٢٢ ـ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) ... أي حين بلغ يوسف (ع) والبلوغ يكون ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة من العمر أو إلى