لعلة إيجادهم (أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) أي الرب الفرد الصّمد الذي أمره نافذ في كل شيء لأنه قهّار متسلّط على الكائنات؟ فقد تدرّج في دعوتهما لإلزامهما الحجة فبيّن لهما أولا رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة المتعددة ، ثم برهن على أن ما يسمّيه الناس آلهة ويعبدونها لا تستحق الألوهية ولا العبادة والتقديس ، ثم نصّ على ما هو الحقّ القويم والدّين المستقيم الذي لا يقبل العقل الحكيم والذوق السليم غيره ، ولا يرتضي العلم سواه بقوله :
٤٠ ـ (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها) ... أي أن الآلهة التي تحصرون عبادتكم بها ليست سوى أسماء ـ يعني المسمّيات منها ، من أحجار وكواكب وغيرها ـ دعوتموها آلهة (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) واخترعتم لها الألوهية ضلالا وكفرا إذ (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) لم يأمر سبحانه بعبادتها ولا هي ذات قيمة وأثر لتستحق العبادة لأنها لا تسمع ولا تعقل ولا تملك ضرّا ولا نفعا (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وقد (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أمر بعبادته وحده ونهى عن الشّرك به. وفي هذا بيان للحكم الذي حصر الله تعالى فيه العبادة به دون غيره (ذلِكَ) أي ما أشار إليه ، هو (الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي طريقة العبادة ذات القيمة العظيمة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) بل يجهلون هذه الحقيقة ويضلّون عنها. ثم تابع حديثه معهما وانتقل إلى تعبير رؤياهما :
٤١ ـ (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) ... أي يا رفيقي الحبس (أَمَّا أَحَدُكُما) وهو ساقي الملك وصاحب شرابه «ف» إنه سينجو من السّجن (فَيَسْقِي رَبَّهُ) أي يقدّم لسيّده (خَمْراً) بعد نجاته والربّ هو السيد إذ يقال : ربّ الدار وربّ العائلة وربّ البلد. وهذه إشارة له بعودته إلى عمله وبظهور براءته (وَأَمَّا الْآخَرُ) أي الثاني (فَيُصْلَبُ) أي يحكم بالإعدام صلبا على الخشبة (فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ) تتغذّى الطيور الجارحة من لحمه و (مِنْ رَأْسِهِ) أثناء بقائه مصلوبا (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) أي انتهى تعبير رؤياكما وما سألتما عنه من تفسير لما رأيتماه في منامكما وقد أفتيتكما به.
فإنه (ع) لما أقام الحجة عليهما في التوحيد وأبطل دينهما وأثبت دين