٥ ـ (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) ... يعني يا محمد ، إن تعجب وتستغرب إنكار الكفرة البعث والنّشور لعدم تدبّرهم دلال الوحدانيّة والقدرة (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) أي حقيق وجدير بأن تتعجّب منه ، واستغرابك في محلّه لأن من قدر على إيجاد وإبداع ما قرأناه عليك من الآيات والدلائل المبرهنة على وجوب وجود مبدئ قادر حكيم أوجد الأشياء كلّها من العدم الصرف إلى الوجودات السامية الكاملة كخلق الفلكيّات وما فيها من جلائل المخلوقات وعجيبها ممّا أشرنا إليه من المدركات وممّا لم تصل إليه عقولنا ولم يستوعبه إدراكنا مع العلم بأن إعادة المعدوم الذي كان موجودا أسهل وأيسر ، فكيف بما ابتدعه سبحانه من العدم وأوجده بقدرته؟ والقول (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) كلام مقول لقولهم العجيب الدال على إنكار البعث مع أن الموت خلع للباس الحيوانيّة ولبس للباس الترابية ، ثم عود لترميم ذلك البناء وبعث للروح فيه ، وهم لا يتعقّلون أن خلقهم الأول أعظم من بعثهم بعد الفناء ، ومن قدر على الأقوى الأصعب الأكمل ، كان أقدر على الأقلّ الأسهل الأضعف بالأولويّة. فالذين ينكرون ذلك (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) وأنكروه ولم يعترفوا به وبوحدانيّته وقدرته (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) ستوضع قيود سلاسل النار في رقابهم يوم القيامة (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) باقون إلى أبد الأبد.
٦ ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) ... وذلك بأنهم سألوا رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بقوله. وهذا يعني أنهم يطلبون منك تعجيل العذاب والعقوبة التي قرّرها الله سبحانه لهم وأخّرها إلى القيامة وصرفها عن هذه الأمة ببركة وجودك فيها ، وهذا التأخير خير للأمة وعافية لها ، ولذا عبّر عنه (ص) بالحسنة في الآية الكريمة لأنه تعالى أحسن إليه (ص) وإلى أمّته بذلك التأخير لاحتمال أن يوفّق العاصي للتوبة والإنابة خلال هذه المدة ، ولكن الكافرين استعجلوا العقوبة قبل حلول المدة (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) أي مضت قبلهم عقوبات