وللناس مثلا محسوسا ملموسا ، وهو هذه الحياة التي يعيشونها في الدنيا فإنها (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) كالمطر الذي انحدر من السماء ونزل على الأرض. فامتصّته وشربته (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) فنما وكبر ونضج واستحصد (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) أي يابسا وهو ما تبقّى من الأرض المحصودة من قشّ يابس ، فصارت (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) تنسفه وتطيّره بهبوبها. فمثل الإنسان كمثل هذا النبات ، نهب له الحياة فينمو ويكبر ويستتمّ ، ثم يشيخ ويعجز ويموت (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) أي قادرا على الإنشاء والإفناء. وروي أن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : ما امتلأت دار حبرة ـ أي سرورا ـ إلّا امتلأت عبرة .. وسأل خالد بن الوليد بنت النّعمان بن المنذر : كيف صرتم إلى هذه المرتبة؟ قالت : طلعت الشمس علينا ولم تكن دابّة تدبّ على وجه الأرض إلّا وكانت تحت سلطاننا ، وغربت الشمس علينا فصرنا بحيث كلّ من يرانا يحترق قلبه لنا ويرحمنا.
٤٦ ـ (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ... المال والبنون ممّا يتزيّن به في الحياة فالغنى والثروة مع الأهل والأولاد من خير ما يتجمّل به الإنسان في عيشه ، وهو غاية ما يسعى إليه ويطمع فيه (وَ) لكن (الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) من أعمال الخير فالصلوات وبقية الطاعات وأداء الحقوق الشرعية ، هي (خَيْرٌ) ثوابا (عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) وقيل إن الباقيات الصالحات هي الولاية ، وقيل هي التسبيحات الأربع وقيل الولد الصالح والكتاب النافع بحسب اختلاف الروايات ، فهي كلّ ما بقي من صالح عمل المؤمن على كل حال ، والله أعلم.
* * *
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى