وحاصل جوابه : أنكم أهل مكر وغدر ولا يحصل عندي وثوق بضمانكم لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين. وعلى افتراض أنني رضيت وأرسلته معكم فإنما أتوكل في أمره على الله سبحانه وحده لا عليكم (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وإليه أفوّض أمري فإنه يرحمني ويرأف بضعفي وشيبتي وكبر سنّي فيحفظه ويردّه سالما ولا يجمع عليّ مصيبتين ... وفي الخبر أن الله عزوجل أوحى إليه : فبعزّتي لأردّنّهما إليك بعد ما توكلت عليّ. ويستأنس من هذا الخبر أن يعقوب (ع) حين اعتمد في أمر يوسف على قول إخوته كأنه لم يفوّض أمر ردّه إليه سبحانه وتعالى فابتلى بما ابتلى به فيه. فنعم التأديب الذي يعقبه التكميل فإنه (ع) حين التفكير بأمر بنيامين كان متوجها بكلّيته إلى الله جلّ وعلا.
وبعد ذلك الحوار الخاطف الذي جرى بينه وبين أولاده حين وصولهم من السفر ، وحصول اليأس ـ تقريبا ـ من إرسال أخيهم معهم ، ذهبوا إلى إفراغ متاعهم وطعامهم وتخلية الجواليق من الطعام ليضعوا كل شيء في مكانه :
٦٥ ـ (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) ... أي حين فتحوا أكياسهم وجواليقهم التي حملوها من مصر ، رأوا أن بضاعتهم التي حملوها معهم إلى مصر ثمنا للحبوب التي اشتروها قد ردّت : أعيدت إليهم ، ففوجئوا بذلك وسرّوا سرورا عظيما و (قالُوا : يا أَبانا ما نَبْغِي) أي ماذا نريد؟ وهل نريد أحسن من ذلك؟ (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) فهل نطلب أكثر من هذا الإحسان من الملك الذي أوفى لنا الكيل وردّ الثمن وأحسن مثوانا وأكرمنا غاية الإكرام ، فهل من مزيد على ذلك؟ إنك إذا أذنت لنا في الرجوع مع أخينا نربح (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) أي نجلب الطعام لعيالنا وأولادنا (وَنَحْفَظُ أَخانا) نحرسه حتى نردّه إليك (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) أي نربح زيادة حمل جمل آخر هو جمل أخينا ، و (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أي سهل إعطاؤه على الملك ، وهو يمنحنا اليسر والسّعة في أمورنا في هذا الضّيق الذي يعانيه الناس. وهكذا بدوا في مقام إقامة البراهين