أن المتناهي لا يعني البتة بغير المتناهي كعلم الله تعالى وحكمه .. فقل يا محمد ، لو كان البحر حبرا أو مددا تكتب بها كلمات ربي ويسجّل به علمه (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) انتهى (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) وتنتهي آياته وعلمه (وَلَوْ جِئْنا) لهذا البحر (بِمِثْلِهِ مَدَداً) عونا يرفده ويساعده ولو كان مثله كبرا وحجما .. ونظر هذه الكريمة قوله سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ..) الآية. وقيل في معناها غير ما ذكرناه ومن شاء فليراجع.
١١٠ ـ (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) ... أي : قل يا محمد للناس : أنا مخلوق لله تعالى كما أنكم مخلوقون له ، والفرق بيني وبينكم أني مختار لوحيه سبحانه دونكم ، اختصّني بذلك كما يختص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال وبعض الكمالات الأخر دون بعض ، فلا تنكروا عليّ اختصاصي منه جلّ وعلا واختياري للنبوّة من بينكم والإيحاء (إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا ربّ سواه ولا خالق ورازق غيره ، ولا شريك له في خلقه وملكه (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) أي يطمع في الحصول على جزاء ربّه ويأمل بنيل ثوابه ويقرّ بالبعث والحساب والوقوف بين يديه (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) أي خالصا لله يتقرب به إليه تعالى (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) أي لا يقصد بعمله الرياء الذي يسمّى بالشّرك الخفيّ الذي يكون في الأعمال. وقد ذكر العياشي عن الصادق عليهالسلام أنه سئل عن تفسير هذه الآية فقال : من صلّى وصام أو أعتق وحج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله ، وهو شرك مغفور ، يعني أنه ليس من الشّرك الذي قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ، فإن المراد بذلك الشّرك الجليّ الذي يشارك معه تعالى غيره في العبادة ، كعبدة الأصنام والكواكب والملائكة وعزير وعيسى عليهماالسلام ، ويسمى الشّرك بالذات وصاحبه غير مغفور له كما يستفاد من ظاهر الكريمة. ولعله يشير إلى ذلك ما عن عطا عن ابن عباس : أن الله تعالى قال : لا يشرك بعبادة ربه أحدا ، ولم يقل : ولا يشرك به أحدا ، لأنه أراد العمل الذي يعمل لله ويحب أن يحمد عليه ، قال : ولذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره كي يقسمها ولكيلا