مكدّسة ضاق بها السهل وغصّت بها الآفاق حتى كانت تكفي لحرق مدينة واسعة شاسعة ولحرق قبيلة مجتمعة من القبائل.
٦٩ ـ (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) : أي قال الله تبارك وتعالى : أيّتها النار ابردي بردا لا يضرّه ، وكوني سلاما عليه ، فلم تحرق منه إلّا وثاقة الذي ربطوا به يديه ورجليه ، وزال حرّها فلم يصل إليه منه شيء بأمر تكويني ممّن خلق النار وجعل فيها الحرّ واللهب ، فجعل في نار النمرود وحزبه الظالمين بردا وسلاما على إبراهيم بدل الحر. وقيل إن النار بقيت مشتعلة طيلة سبعة أيام وإبراهيم عليهالسلام في وسطها قد جلس في روضة غنّاء يؤنسه فيها جبرائيل عليهالسلام وخرج منها سالما معافى بقدرة الله عزّ وعلا.
٧٠ ـ (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) : أي رغبوا في كيده وقتله ، ومكروا به بالإحراق بالنار ، فخسرت صفقتهم ، وضاع مكرهم وانقلب حقدهم غيظا في صدورهم ، وضلّ سعيهم وانقلب إلى برهان قاطع بأنهم على الباطل.
٧١ ـ (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي) ... : أي سلّمناه وخلّصناه من كيد النمرود لعنه الله ، فخلص من الهلاك بناره وكذلك نجيّنا لوطا ـ ابن أخيه ـ الذي كان من المؤمنين الداعين إلى الله ، ثم أمرهما سبحانه بهجر أرض النمرود الذي كان في العراق (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) وهي أرض الشام ، فتركا بابل وأتيا إلى أرض فلسطين. وقد قال تعالى : باركنا فيها ، لأنها أرض خصب وسعة ومنافع دينيّة لأن أكثر الأنبياء صلوات الله عليهم بعثوا فيها ومنها أو جاؤوا إليها. أما لوط فهو ابن هارون بن تارخ ، وهارون هذا هو أخو إبراهيم عليهالسلام ، وزوجته سارة كانت أيضا بنت عمه. وقد بعث لوط إلى القرى التي تسمّى بالمؤتفكات نسبة لدعوة أهلها إلى الإفك والقبائح ، وقد دمّرها الله تعالى بالعذاب كما مرّ سابقا.