سواي (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) فاجعل عبادتك خالصة لي ، وصلّ واذكرني في صلاتك وعبادتك وحدي. وفي قوله هذا سبحانه ثلاث جهات هي من أهمّ ما يوحي به في رسائله السماوية :
الأولى : أن الآية تدل على تقرير التوحيد وقصر الوحي ابتداء عليه لأنه من أهمّ ما يوحى به إذ هو منتهى العلم ونتيجة كلّ العبادات لأنها مقدمة له بعد معرفة ذاته المقدّسة.
والثانية : هو الأمر بالعبودية له ، وقد تقدّمت منّا الإشارة إلى سموّ مقام العبودية له وإلى علوّ مرتبتها إذ يعتبر الأنبياء والأوصياء من عباده الصالحين ، لأن العبودية له من أرفع وأسمى المراتب ولأنها تدل على تمام العمل المرضيّ وكماله.
والثالثة : هي الأمر بالصلاة التي هي عماد الدّين ومعراج المؤمن وأهمّ أعماله وخيرها. ومما تدل الآية الشريفة عليه : تعليل الأمر بالصلاة بالذكر. وقد خصّص به لأنه العلة التي أناط بها إقامة الصلاة ، فإن الصلاة بالأخص ـ وسائر الأعمال العبادية ـ جعلت لذكر المعبود ، وهذا هو عمل القلب وشغله ، وروح الأعمال وجوهرها. ولذا ورد : تفكّر ساعة خير من عبادة كذا سنة.
ثم أنه تعالى توعيدا وتخويفا أخبر بمجيء يوم القيامة للحساب والثواب والعقاب فقال :
١٥ ـ (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) ... أي إن ساعة يوم القيامة متيقّنة الوقوع لا محالة ، وأنا أكاد أخفيها : أريد إخفاءها عن عبادي للتهويل والتخويف ورحمة بهم ، فإن الناس إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة يكونون دائما على حذر منها في كلّ وقت وفي كلّ حال. وأخفيها : هنا جاء بمعنى : أظهرها ، كأنه سبحانه يتوعّد بها. والإخفاء بمعنى الكتم بخلاف الخفاء ـ بلا همز ـ فإنه بمعنى الظهور لا غير. وقيل إن همزة إخفاء للسلب ، يعني سلب الخفاء ، أي الظهور. والمعنى على هذا يكون : قرب إظهار ساعة القيامة.