رمز للازدواج بين الموجودات حتى الجمادات وللاقتران بين بعضها وبعضها الآخر ليستمر بقاء النوع.
واعلم أن كلام موسى عليهالسلام قد تمّ عند قوله : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) ، وأنه سبحانه قد التفت من الغيبة إلى المتكلّم ، فحكى سبحانه عن نفسه تفريعا على قول نبيّه عليهالسلام ، فنبّه بذلك إلى أن كلام رسلي هو كلامي وأنهم لا ينطقون عن الهوى ، فقولهم قولي ، وإن كانوا لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ، فانتبه إلى هذه النكتة الدقيقة في المقام وما أكثر أمثالها بل ما هو أبلغ منها في القرآن الكريم.
٥٤ ـ (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) ... أي كلوا مما خلق لكم من الأرض وارعوا مواشيكم منه. وفي هذه الكريمة إشارة إلى أقسام النباتات ، فمنها ما يصلح لطعام الإنسان ، ومنها ما يصلح لغيره من الحيوانات. وقد خاطب الإنسان أولا فقال : كلوا ممّا أخرجنا لكم بالمطر من النبات والثمار والحبوب وغيرها ، وارعوا أنعامكم مما يصلح لها من النباتات والأعشاب وغير ذلك من الحبوب التي تنفعها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) أي : إن فيما ذكرها لكم لعبرا لذوي العقول. والنّهى : جمع نهية ، سمّي بها العقل لنهيه عن القبيح. وعن الإمام الباقر عليهالسلام أنه قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّ خياركم أولو النّهي. قيل : يا رسول الله ، ومن أولو النّهى؟ قال : أولو الأخلاق الحسنة ، والأحلام الرزينة ، وصلة الأرحام ، والبررة بالامّهات والآباء ، والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى ، ويطعمون الطعام ويفشون السلام في العالم ، ويصلّون والناس نيام غافلون.
ثم إن موسى عليهالسلام لمّا بيّن نعم الله عليهم ابتداء من أصل الخلقة وانتهاء بنعم الله الجزيلة ، نبّههم إلى شيء آخر هامّ فقال حكاية عن الله عزوجل :
٥٥ ـ (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) : أي من