وراح يطلب غيره. والضمير عند البعض راجع إلى السامريّ ، أي : ترك ما كان عليه من الايمان الثابت وعدم عبادة العجل وإضلال الناس ، والله أعلم. وعلى كل حال ومهما قيل في الضمير فإن الله تعالى أتمّ الحجة عليهم بقوله :
٨٩ ـ (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) ... أي : كيف لا ينظرون ويتدبّرون أن هذا العجل الذي اتّخذوه إلها لا يتكلم بسؤال ولا يحكي عن تكليف ولا يستطيع ردّ جواب إذا هم سألوه (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ولا يقدر أن يضرّهم أو أن ينفعهم إذ ليس بيده شيء من ذلك. والحاصل أن هذا العجل جماد لا يستطيع الحركة ، ولا يصدر الخوار عنه عن إرادة وشعور لأن الريح تمرّ بجوفه فتصفّر هذا التصفير ، وحركته إنما تشبه حركة الأشجار المرتعشة تحت وطأة هبوب الريح ، وخواره كخوارها إذا كانت الريح عاتية شديدة. فيما هذا الإله الذي لا يتكلّم ، ولا يجيب إذا سئل ، وليس بيده نفع ولا ضر؟
* * *
(وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١))
٩٠ ـ (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) ... قال لهم هارون سلام الله عليه قبل أن يرجع موسى من الميقات : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) يا قومي ويا جماعتي إنما امتحنتم بهذا العجل لأنه جماد لا يملك من أمره شيئا فكيف يملك أمر العباد؟ إنه ليس بإله وقد غشّكم السامريّ ، و (إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) وإلهكم الله سبحانه وتعالى الذي يرحم العباد ويخلقهم ويرزقهم