عليهم البنيان وهم تحته. وعند بعض المفسّرين أن المراد من هذا البنيان هو صرح نمرود بن كنعان كما عن ابن عباس ، بنى صرحا عظيما في بابل طوله خمسة آلاف ذراع بل قيل عرضه فرسخان فبلغ من الارتفاع بمكان لا يتمكن الإنسان أن يقوم عليه من الرّياح ، ورام منه الصّعود إلى السماء حتى يطّلع على إله إبراهيم يتقاتل معه ، وبعد إتمامه أرسل الله تعالى ريحا فألقت رأس الصّرح في البحر والباقي على دور أهل القرية من قوم نمرود ، وسمع منه صيحة عظيمة بحيث تبلبلت منه ألسنة أهل القرية واختلفت كلماتهم بحيث لا يعرف أحد منهم لسان الآخر ، وهذا وجه تسمية بابل (هكذا نقل عن الثعلبي) وقال الطبري : ومن حين سقوط الصّرح حصلت اثنان وسبعون لسانا في العالم بعد أن كان لسان أهل قرية بابل ونمرود سريانيّاّ ، والعهدة عليه (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أي جاءهم عذاب الاستئصال حين كونهم فارغي البال مرفّهين لا يترقّبون العذاب ولا يتوقّعونه ، وفي اللّباب أن الله تعالى ابتلى النمرود أربعمائة سنة ببعوضة دخلت في أنفه وصعدت إلى مخّه ولم تزل تؤذيه بأذى لا استراحة منه إلّا بأن يدقّ رأسه بمطرقة شديدا فيخفف عنه الأذى قليلا ، وهذا جزاء من ادّعى الألوهية في الدنيا ، وأما في الآخرة فأمره إلى الله حيث يذلّه ويفضحه ثم يعذّبه في النار. وقد قال جلّ وعلا : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) ، وفي النار تأتيه ألوان العذاب من كل مكان ومن حيث لا يعلم مصدر العذاب.
٢٧ ـ (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ) ... وفي يوم القيامة يخزي الله تعالى كل من دعوا أنفسهم آلهة ويبعدهم من رحمته ويصبّ عليهم جام سخطه وغضبه ، ويقول لعبدتهم من المشركين : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ؟) أين هم الذين ألّهتموهم وعبدتموهم وجعلتموهم شركاء لي ، وكنتم تخاصمون المؤمنين وتعادونهم من أجلهم؟ أروني إيّاهم ودلّوني على منازلهم في هذا اليوم الذي تظهر فيه قدرة الرّبوبيّة وجبروتها؟ وكأنّهم سكتوا عن