الهواء وكثرة المياه والأزهار المعطّرة للتعليل ، وتسمية أبنيتها (بُيُوتاً) لشبهها ببناء الإنسان حيث إن خلّيتها متضمّنة لحسن الأوصاف ولإعمال كيفيّات دقيقة لطيفة بحيث لا يقدر على الإتيان بمثلها حذّاق المهندسين إلا بآيات دقيقة كالمسطرة والفرجار. وقد ثبت في الهندسة أن تلك البيوت التي تحتوي تلك الأضلاع المتساوية التي لا يزيد بعضها على بعض بمقدار رأس إبرة لو كانت مشكّلة بأشكال سوى المسدسات فانه كان يبقى بالضّرورة فيما بين تلك البيوت فرج خالية ضائعة. فاهتداء هذا الحيوان الضعيف إلى هذه الحكمة الخفية التي تحيّر العقول ليس إلا بإلهام القادر الحكيم والصّانع العليم. ثم إن خليّة النحل تكون فيها واحدة لها رئاسة وسلطة على البقية ولها جثة وهي عظيمة نافذة الحكم على الجميع وهم يخدمونها ويحملونها عند الطيران بكيفيّة فيشكّلون لها عرشا من أنفسهم وذلك من الأعاجيب ، وتسمّى (الملكة) بل أعجب منه أنها قد تنفر من وكرها فيتبعها جميع من فيه إلى موضع آخر ، فإذا أرادت العودة إلى المكان الأول يتغنّون بالألحان المطربة ومع تلك التشريفات يقدرون على العودة وللملكة بوّاب وشرطة لتنفيذ حكمها وأوامرها على ما هو المعروف والمشهور.
٦٩ ـ (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ... أي ألهمناها الأكل من جميع الثمرات الطيّبة وأزهارها وأنوارها بل ومن حلوها ومرّها كما هو مقتضى عموم اللفظ. وليس كلّ مرّ غير طيّب إن أنواعا من الفواكه أولها مرّ وبعد يصير حلوا. وقيل إن المراد بالثمرات أزهارها والتخصيص لا وجه له ولبعض أكابر أهل التفسير بيان دقيق لا بأس بالإشارة إليه قال رحمهالله : اعلم أن الله تعالى دبّر هذا العالم على وجه لطيف كلّه ، فمثلا يحدث في الهواء أحيانا ظلّ لطيف في اللّيالي ويقع ذلك الطلّ على أوراق الأشجار وأزهارها ، وتكون تلك الأجزاء الطلّية صغيرة متفرقة على الأزهار والأوراق بحيث لا ترى وقد تكون كثيرة بحيث يجتمع منها أجزاء محسوسة كالتّرنجبين والمنّ. والقسم الأول من الطلّ هو الذي ألهم الله هذا النحل