فالحاصل أنّ من كانوا في علم الله أنّهم لا يعبدون الأصنام يمكن أن يكون أمرهم معلّقا على دعاء إبراهيم عليهالسلام لهم وإن لم يدع قد يعبدونها. ودعاؤه ليس من باب تحصيل ما هو حاصل حتى يكون لغوا. هذه أجوبتنا عن الشّبهة ، وعن الصادق عليهالسلام أنه أتاه رجل فسأله ، فلم يجبه. فقال له الرجل : إن كنت ابن أبيك فإنك من أبناء عبدة الأصنام. فقال عليهالسلام : كذبت ، إن الله أمر إبراهيم أن ينزل إسماعيل بمكة ففعل ، فقال إبراهيم : ربّ اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام ، فلم يعبد أحد من ولد إسماعيل صنما ، ولكنّ العرب عبدة الأصنام ، وقالت بنو إسماعيل هؤلاء شفعاؤنا وما كفرت ولم تعبد الأصنام.
٣٦ ـ (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) ... أي أن الأصنام صرن سببا لإضلال الكثيرين من الناس. وإسناد الإضلال إليها من المجاز في الإسناد ، وذلك كقولهم : أنبت الربيع البقل ، ومثل : وغرّتهم الحياة الدنيا (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) أي فمن كان على طريقتي واتّبع سيرتي فإنه بعضي لشدة اختصاصه بي. ونستفيد من هذه الكريمة أن التبعيّة للرّسل موجبة لانتساب التابع إليهم نسبة البعض إلى المجموع والجزء من الكل. فعلى هذا كلّما كانت التبعيّة أقوى فالانتساب يصير أشدّ وآكد ، بحيث يصير التابع ابنا للمتبوع ، وبالعكس فإن المتخلّف عن الرّسل ولو كان ابنا لهم يصير انتسابه في الضعف بحيث ينقطع بالمرّة ، ومن الأمثلة على الأول محمد بن أبي بكر فقد قال عليّ عليهالسلام : محمد ابني ولو ولد من أبي بكر ، ومن الثاني ابن نوح النبيّ عليهالسلام ، فإن الله تعالى نفى كونه من أهله وسلب انتسابه إليه عليهالسلام بقوله سبحانه : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ). هذا ، وننظر نحن لنبيّنا صلىاللهعليهوآله ولصحبه لنلاحظ بإنصاف وعدل أيّا منهم كان أشد تبعيّة له وأقوى تعلّقا به ، ومن منهم كان تابعا له من أول صباوته وقدرته على التبعيّة وحافظا ودافعا عنه من صباه إلى شبابه ، ثم فداه بنفسه ليسلّمه من القتل ومن كيد أعدائه ، ثم نلاحظ نوعا آخر من