علوا كبيرا ، فتعلّق العلم بشيء علة لعدم تخلّف الشيء عمّا كان عليه حين تعلّق العلم به. فالجواب عنه علم إجمالا مما قلنا آنفا من عدم دخل علمه تعالى بأعمال العباد فيها بحيث كانوا بعد العلم مجبورين على العمل ولا يقدرون على التّرك وإلا لزم الجبر وقبح العقاب على أعمال العصاة ولزم انسداد باب الدعاء والتوبة. وذلك التوالي كلّه مخالف لشرعنا وديننا وظاهر كتابنا.
ويمكن أن يجاب بأن علمه تعالى على قسمين : تنجيزي ، وتعليقي.
أما الذي لا يتخلّف عن معلومه ، وكذلك العكس ، فهو القسم الأول ويسمّى بالحتمي أيضا. وهذا لا من باب أن العلم علة ، بل من باب وجود المقتضي وهي المصلحة الدائمية وعدم المانع الدائمي ، فيوجد بإرادة الله تعالى. فالعلم به لا يتخلّف عن معلومه من باب دائميّة المعلوم لأمور أخر غير علمه تعالى كما قلنا ، لا من باب تعلّق العلم به فإن تعلّقه به وعدمه سيّان من هذه الناحية.
وأما القسم الثاني فكثيرا ما يتخلّف كما في قضية عيسى عليهالسلام المعروفة وهو أنه رأى حطّابا يمشي للبادية لتحصيل الحطب فقال (ع) للحواريين : هذا ما بقي من عمره إلّا ساعة. ومعلوم أن إخبارهم الغيبيّة لا تكون إلّا عن علمه ومن عنده تعالى فإن علم الغيب منحصر به عزّ اسمه بنصّ الآية الكريمة : (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) أو (إِلَّا هُوَ) .. وبعد ذلك بساعتين أو أزيد أو أقلّ رأوا الحطاب يحمل الحطب سالما فقالوا : يا روح الله ، هذا الحطّاب جاء سالما! .. فسأل ربّه فنزل جبرائيل عليهالسلام وأخبره أن الأمر كما أخبرت لكن بعد ذلك تصدّق فمدّ الله في عمره ثلاثين سنة لأثر الصدقة ، يمحو الله ما يشاء ويثبت. وهذا وأمثاله من الوقائع الكثيرة يسمّى بالعلم التعليقي وبكتاب المحو والإثبات ولا يلزم منه محظور بل يدفع به المحاذير من العجز والجبر وقبح العقاب وسدّ باب التوبة والدعاء.