وساروا قليلا (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) أي نادى مناد من خدم الملك الذي لم يعلم بواقع الأمر ، وقال : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أي يا أصحاب الإبل : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) وهذا التأكيد لكونهم سارقين بإنّ وباللّام علّله الإمام الصادق عليهالسلام بقوله : ما سرقوا ، وما كذب يوسف. فإنما عنى سرقة يوسف من أبيه (ع) .. وقد كان هذا العمل من يوسف بأمر من الله تعالى فإنه شاء أن يفرّج عن نبيّه يعقوب وأن تنتهي محنته بعد أن وصل الأمر إلى غايته وبلغ أمده ، وقد كان من تفضّله سبحانه على العباد وأن يمدّهم بالفرج بعد الشّدة وأن ينعم عليهم باليسر بعد العسر.
٧١ ـ (قالُوا ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ، ما ذا تَفْقِدُونَ؟) عند سماع النداء ، وقف إخوة يوسف وقالوا للمنادي ولمن تبعه عند سماع ندائه : ماذا افتقدتم ، وأي شيء ضاع منكم حتى اتّهمتمونا بالسّرقة؟ وجملة : وقد أقبلوا عليهم ، جملة معترضة ، تبيّن شدة اهتمام إخوة يوسف وخوفهم من هذه التهمة بالسرقة بعد ما رأوا من إكرام يوسف (ع) وحاشيته.
٧٢ ـ (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) ... أي أجاب ذووا النداء : قد افتقدنا صواع الملك : يعني صاعه الذي نكتال به والذي عبّر عنه سابقا بالسقاية. وعن الإمام الباقر عليهالسلام ، قال : صواع الملك الطاس الذي يشرب منه.
فإذا قيل : لم قالوا نفقد صواع الملك في هذه الآية ولم يقولوا : سرقتم صواع الملك ، مع أنه في الآية السابقة قال المنادي : إنكم لسارقون ، فنسبهم إلى السرقة؟ فالجواب أنه في الآية الأولى نسبهم للسرقة وعنى سرقة يوسف من أبيه. أما هنا فإنهم لم يسرقوا الصواع فعلا ، ولكنه جعل في رحل أحدهم بأمر الملك ومن حيث لا يعلم المؤذّن ولا من حوله ، فهو بعرفهم مفقود ولا يعلم أنهم هم الذين أخذوه .. وقيل أيضا : إن جملة : إنكم لسارقون ، استفهام محذوف ما يستفهم به من الحروف ، يعني : هل إنكم سارقون لما فقدناه؟ وهو وجيه أيضا.