يغني عن التقدير من الله العزيز القدير والحذر لا يمنع القدر كما قال مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) فهو القاضي المقدّر الفعّال لما يشاء والحاكم بما يريد ، والأمور تجري بحسب ما شاء وقدّر لا على ما دبّر الإنسان بعقله القاصر ف ـ (عَلَيْهِ) وحده (تَوَكَّلْتُ) أي فوّضت أمري فيكم (وَعَلَيْهِ) سبحانه (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) من المؤمنين به عزّ وعلا.
٦٨ ـ (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) ... أي حين دخولهم إلى مصر بحسب ما رأى لهم يعقوب عليهالسلام وطبق ما وصّاهم به من قضاء الله تعالى وقدره (ما كانَ) أي يعقوب (يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي لم يكن ليدفع عنهم من شيء قدّره الله تعالى لهم بوصيته لأنه سبق وقال لهم : إن الحكم إلّا لله ، بل لم يكن ذلك منه (إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) يعني أن في نفسه شيئا أخفاه عنهم وقد كان يقصد من وراء ذلك الإشفاق عليهم والرحمة بهم لما أصابه من قلق واضطراب حين مغادرتهم البلد فبإظهارها قضى حاجة له في نفسه وسكن هيجان عاطفته وهدأ قلقه فاستراح بعد إيصائهم بالدخول من أبواب متفرّقة. والاستثناء ـ بإلّا ـ هنا منقطع كما لا يخفى و (إِنَّهُ) أي يعقوب (لَذُو عِلْمٍ) معرفة تامة ويقين (لِما عَلَّمْناهُ) وفهّمناه بتعليمنا إياه بطريق الوحي ونصب الحجج والبراهين ، ولذا قال بعد التحذير : وما أغني عنكم من الله من شيء بتوصيتي وتحذيري إن أراد الله تعالى خلاف ذلك (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لا يعرفون مثل هذه الأسرار والحكم التي نعلّمها رسلنا.
٦٩ ـ (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) ... أي حين استأذنوا على يوسف ودخلوا عليه ، أدخل أخاه بنيامين إلى قربه ، وقرّبه في مجلسه ثم (قالَ) يوسف لأخيه : (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) يوسف الذي يذكره أبوك كثيرا وتتحدّثون عنه مليّا (فَلا تَبْتَئِسْ) أي : لا تحزن ولا تخف بؤس شيء ولا