عند الخصام ، فالكافرون قلوبهم مملوءة كفرا وهم مستكبرون عن العبادة.
٢٣ ـ (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) ... أي لا بد أو لا محالة ، وجاء مصدرا من باب فعل يفعل بمعنى كسب أو اكتسب ، والجرم الكسب ، يعني لا يحتاج علم هذا الأمر إلى اكتساب العلم بل هو معلوم أنّ الله يعلم سرّهم وعلنهم. وهذا القول منه تعالى كناية عن إحاطته العلميّة بأمور العباد ، وقد مرّ هذا الكلام منه تعالى آنفا في الآية التاسعة عشرة بتفاوت ما. والسرّ في التكرار لعلّه الاهتمام بإفهام البشر مقام علمه المحيط وقدرته الكاملة ، فإنهم إذا افتهموا هذا واعتقدوه حقّ اعتقاده وعرفوه حقّ المعرفة لا يعصون الله فيما أمدهم ونهاهم لأن صدور المعاصي عن العباد لا يكون نوعا ـ بل مطلقا ـ إلا عن جهل بالمبدأ تعالى وبوحدانيّته وخالقيّته ورازقيته ومنعميّته وحافظيّته لهم في كل الأحوال وبكونه ملجأ وملاذا في جميع ما يحتاجون إليه في الدنيا والآخرة. وإذا أدركوا تلك الجهات والعناوين فلا يتصوّر وجود إنسان متّصف بهذه الصّفة ومع ذلك كلّه يعصى الله تعالى. وإن فرض إنسان ذو معرفة تامّة وهو من أهل المعاصي والشّقاء فنقول إن عصيانه وشقاوته كاشفان عن عدم كونه مصداقا لمفروض البحث ، فإنه لا يمكن الجمع بين المراتب العالية من المعرفة وبين المعصية لأن طبع البشر وسجيّته الخضوع والخشوع للمنعم عليه ولا سيما إذا كان معطي وجوده وحياته فكيف يعصيه فيما أمر به ونهى عنه ، مع أن الفرض علمه بأن في إطاعة المولى مصالح ترجع إليه ، وفي معصيته مفاسد يتضرّر بها ضررا فاحشا على اختلاف الموارد .. وإن قلت : لا يمكن الجمع بين غاية الشقاوة ونهاية المعرفة التي يمكن حصولها للمخلوق ، فما تقول في إبليس أو بلعم بن باعوراء الذي كان من أحبار اليهود ، ونحوهما من الذين كانوا من أهل العلم والمعرفة ومع ذلك خالفوا أمر الله وعصوه على ما هو المشهور من قضية الشيطان والمعروف من قصة بلعم في محلها؟ فنقول : أما الشيطان فقد كان في زمرة المقدّسين في الملأ الأعلى بعد عروجه من الأرض إلى السماء ولم يكن محسوبا