في أهل المعارف الكمّل لا في السماء ولا حين كونه في الأرض مع النسناسين وبني جانّ. ولا يبعد أن نقول كان قدسه وعبادته تقليدا للروحانيين لا عن معرفة كاملة وإن بلغ في العبادة ما بلغ ، فإنها لا تلازم كثرة العبادة المعرفة الكاملة كما صدر من عبّاد بني إسرائيل والرّهبانيين منهم ومن غيرهم مع عدم المعرفة منهم به تعالى على ما يظهر وممّا يحكى عن أحوالهم وقصصهم المسطورة في الكتب. والحاصل أن الشيطان لم تكن له المعرفة بمخلوق ضعيف وهو آدم عليهالسلام ، فكيف بربّه؟ بل كان أكثر جهلا من كثير من الأعلام والعارفين حيث إن ما كان يعرف حقيقة التراب والفوائد والأسرار المودعة فيه وأنها أكثر ممّا كان في النار ، ولو لا ذلك لم يقس ولم يتكبّر حتى يصير مرجوما مطرودا ، وما عرف أن آدم عليهالسلام كان مسجودا له لا معبودا ، والسجدة له ما كانت سجدة عبادة بل سجدة تعظيم وتكريم مع تقديس لله تعالى ، ولأنه كان أول مصنوع جرى على يديه وأول خلق بديع من الطين في أحسن صورة وخلقة بحيث أنه هو تعالى قدّس نفسه بقوله : تبارك الله ، ووصف نفسه المقدّسة بقوله : أحسن الخالقين. فيمكن أن نقول أنه قد كان الأمر بالسّجود لآدم عليهالسلام ـ في الحقيقة وواقع الأمر ـ بمنزلة مهرجان سماويّ لتلك الخلقة البديعة تكريما وتفخيما لآدم واهتماما بشأنه الرفيع عند مليك السمّاوات كما جعله (ع) معلّما للملائكة حين أنبأهم بأسماء الأشياء ومسمّياتها بعد أن حقروا تلك الخلقة واعترضوا عليه تعالى وتقدّس.
وأما بلعم بن باعوراء فكان من أحبار بني إسرائيل ويكفي في شأنه أنه أعطي الاسم الأعظم فمال إلى فرعون لحطام الدنيا وذهب بأمر فرعون في طلب موسى عليهالسلام ليدعو الله عليه فامتنعت حمارته عن السّير به ، فلم يزل يضربها حتى قتلها فانسلخ الاسم الأعظم من لسانه وقلبه وهو قوله تعالى : (فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) إلخ ... أفهل يمكن أن يقال إن هذا كان من أهل معرفة الله حقّ المعرفة؟ فإن كان هكذا فلا