القنوط يجلب اليأس من رحمته سبحانه ويباعد بين الإنسان والتوبة النّصوح التي توجب المغفرة بمنّ الله وكرمه.
* * *
(وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥))
٦٤ ـ (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) ... هذه الآية الكريمة حكاية قول جبرائيل عليهالسلام في جواب النبيّ صلىاللهعليهوآله. وقضيّته إجمالا أن قريشا بعثت خمسة رهط إلى يهود المدينة يسألونهم عن صفة محمد صلىاللهعليهوآله ، فقال اليهود : اسألوه عن أمور ثلاثة ، فإن أخبركم بخصلتين فاتّبعوه. فاسألوه عن أصحاب الكهف ، وعن ذي القرنين ، وعن الروح. فجاءوا فسألوه ، فلم يدر كيف يجيبهم. فوعدهم ، فأبطأ عليه جبرائيل عليهالسلام خمسة عشر يوما ـ كما قيل ـ فشقّ عليه ، فنزل بعد المدة فقال صلىاللهعليهوآله : ما منعك أن تزورنا؟ فأجاب : وما نتنزّل إلّا بأمر ربّك (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) أي أن له مستقبل أمرنا ، وما مضى منه ، وحاضره ، وجميع ذلك بيده تعالى ، وليس لنا اختيار في الأمور التي بيده أبدا. وهذا يعني أن عدم نزولي في تلك المدة ما كان من عند نفسي ، بل كنت منتظرا صدور الأمر من ربّي عزوجل (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أي أن عدم أمر ربّك لي بالنزول ما كان ناشئا عن نسيانه لك ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، وهل يتصوّر فيه النسيان وهو تعالى يقول إنه :