٩٥ ـ (قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) ... أي أنه أجابهم قائلا : إن ما ملّكني إياه ربّي ، وأقدرني عليه من المال والسلطان (خَيْرٌ) ممّا تبذلون لي من مالكم (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) فساعدوني بقوة الرجال. فمعنى القوة قوة الأبدان ، أو أن المراد آلات العمل وبعض لوازمه كالحديد والصفر ، أو المراد كلاهما ، فأعينوني بما في أيديكم من قوة (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) أي حاجزا حصينا متراكبة طبقاته بعضها فوق بعض.
٩٦ و ٩٧ ـ (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) ... أعطوني قطع الحديد التي هيأتها لكم بالاقتدار الربّاني إذ وهب لي ذلك سبحانه من فضله وأعطاني إياه .. ثم مضى في العمل (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) الصدف : منقطع الجبل وجانبه. فقد عمل بين منقطع الجبلين وما زال يردم الحجارة والأتربة وينضّد الزّبر ويركّبها بعضها فوق بعض ، ويشيّد ردما يقوم على قطع حديد متراكبة منظّمة يتخلّل صفوفها الفحم ثم (قالَ) ذو القرنين عليهالسلام : (انْفُخُوا) بالمنافخ التي صنعها لهذه الغاية من أجل إشعال النار وإضرامها في مختلف أجزاء الردم ، فنفخوا (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) أي صيّر الحديد نارا (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) أعطوني النحاس الذي أعددته لأفرغه على الحديد الملتهب فيمتزج بعضه ببعض ويتماسك فيصير جسما واحدا. وقيل قصد القطر الذي تطلي به الإبل التي يظهر فيها الجرب ، طلبه ليريقه على الحديد فيزيد في اشتعال النار ويساعد على التحام الحديد لشدة الحرارة التي يولّدها عند احتراقه. وهكذا عقد بينهم هذا السد الحاجز (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) أي ما قدروا على تجاوزه والصعود عليه لعلوّه وارتفاع بنائه ونعومة ملمسه (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) ولا قدروا على ثقبه وتدميره لصلابته وثخنه ، فقد قيل إن ارتفاعه كان خمسين ذراعا ، وثخنه ثمانية اذرع ، وقد قال صاحب الكشاف : قيل : بعد ما بين السّدّين مائة فرسخ. يقصد طول السّد من طرفيه مما يلي الجبلين.
٩٨ ـ (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) ... الذي قال هو ذو القرنين عليهالسلام