وبمناسبة تكليفه بحمل الرسالة دعا ربّه سبحانه ليخلّصه من هذه الرّتّة التي كانت تشبه التّمتمة وقال : خلّصني منها (يَفْقَهُوا قَوْلِي) ويتفهّمونه حين أبلّغهم رسالتك ويكون أوقع في نفوسهم إذا كان واضحا فصيحا. ثم إنه سلام الله عليه لم يكتف بذلك ، بل التمس معاونا له على أداء الرّسالة وظهيرا مساعدا على أعبائها فإنّ الطّبيعة البشرية تحتم طلب المعين والظهير في المواقع الصعبة الخطيرة ، فقال :
٢٩ و ٣٠ و ٣١ و ٣٢ ـ (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي) : أي صيّر لي أخي هارون وزيرا لي في التكليف ، وقد سمّى معينه وزيرا لأن الوزير يعين الأمير على ما يكون بصدده من سياسة الملك وتيسير الأمور العظام ، وهو من المؤازرة : أي المساعدة. وقالوا : إنّ هارون كان أكبر سنّا من موسى. يزيده بثلاث سنين ، وكان أتمّ طولا وأبيض جسما وأكثر لحما وأفصح لسانا ، وقد مات قبل موسى بثلاث سنين. وبالجملة فإنه سلام الله عليه استوزر أخاه من الله حتى يساعده على حمل الدعوة ويتقوّى به على الأعداء ، ويتسلّح برأيه في الملمّات. ثم خصص كون وزيره من أهله لأن ذلك أولى ببذل النّصح وأدعى للاطمئنان ، فقد كان هارون أخا لموسى من أمّه وأبيه وكان أقرب الناس إليه وأولى بأن يختاره على من سواه للوزارة ولشدّ أزره وللمشاركة في أمر الدّعوة إلى الله تعالى ولذلك قال : وزيرا من أهلي. فجاءت هذه الآية مفسّرة للأولى ومبيّنة لها ، فانحصر التوزير بهارون دون غيره.
(اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) قوّ به أمري وشدّ عضدي وانصرني به (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) اجعله شريكا لي في أمر الدعوة. وقد اختلفوا في كيفية إشراكه في أمر الرسالة ، والله تعالى هو أعلم بكيفيّة ذلك ، وقد استجاب الله له دعوته وأعطاه سؤله وجهّزه للدعوة والجهاد. وقد علّل موسى عليهالسلام التماسه للأمور الثلاثة المذكورة بتكثير التسبيح أيضا ، فقال :
* * *