أطاع إله الناس الناس لما كان الناس ، لأنه ليس أحد إلّا ويحبّ أن يولد له ذكر ، ولو كان الجميع ذكورا لما كان لهم أولاد فيفنى الناس والحاصل أن الرجل في الجاهلية كان إذا ظهرت آثار الطّلق على امرأته اختفى من القوم إلى أن يعلم ما يولد له ، فإن كان ذكرا انبسط وارتاح قلبه فأشرق وجهه وتلألأ واستنار وظهر الفرح في بشرته من تلك البشارة ، وإن كان أنثى احتبس طبعه فأغبرّ واسودّ وجهه وبشرته وكمد. وروي أن قيس بن عاصم قال : يا رسول الله إني واريت ثماني بنات في الجاهلية. فقال صلىاللهعليهوآله : أعتق عن كل واحدة منهن رقبة ، وقال عليهالسلام : ما كان في الجاهلية فقد هدمه الإسلام ، وما في الإسلام يهدمه الاستغفار وكانوا مختلفين في قتل البنات فمنهم من يحفر الحفيرة ويدفنها حيّة إلى أن تموت تحت التراب ، ومنهم من يرميها من شاهق ، ومنهم من يغرقها ، ومنهم من يذبحها .. فبئس الحكم حكمهم! ..
٦٠ ـ (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) ... أي الصفة القبيحة كسواد الوجه حين بشّر بالأنثى ، والحزن والجهل ، وقتل البنات خشية الإملاق ، والذل والاحتياج والفقر (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) وهي الصّفة الحسنة من وجوب وجوده الذاتي ، والغنى المطلق ، والجود العام ، وتقدّسه عن الصّاحبة والأولاد ، وغيرها من صفات المخلوق التي هي نقص إذا نسبت إليه تعالى. ولو قيل كيف الجمع بين قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) ، وقوله (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ)؟ فالجواب : أن المراد بالأمثال الأشباه ، أي لا تشبّهوا الله بشيء. والمراد بالمثل الأعلى الوصف الأعلى ، فلا تناقض بينهما كما هو ظاهر (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب القادر على إهلاك الكفرة والظّلمة (الْحَكِيمُ) الحاكم بإهلاكهم بعد الحكم بإمهالهم إلى يوم معلوم وبحسب حكمته جلّ وعلا.
* * *