يعني متاعا في جملة تجارتهم معدّا للبيع (وَاللهُ عَلِيمٌ) عارف خبير (بِما يَعْمَلُونَ) من العثور عليه ، إلى إنقاذه ، إلى إخفائه عن الآخرين ، فإلى الاتفاق على بيعه في مصر.
٢٠ ـ (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ، دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) ... أي اشتروه بثمن قليل بدليل قوله تعالى : دراهم معدودة ، وهو أيضا ثمن بخس : قيل في معناه : ناقص البركة ، وقيل : البخس الحرام لأن ثمن الحرّ حرام. ولم يذكر سبحانه مقدار الثمن لكونه غير معتدّ به لعظيم قلّته (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) أي أن البائعين زهدوا به واستخفّوا بقدره ، سواء كان البائعون له أخوته أم الرفاق الذين التقطوه من الجب لأنهم وجدوا فيه علامة الأحرار وسيماء العظمة والسيادة وأخلاق أهل البرّ ، فلم يرغبوا فيه (ع) فزهدوا به مخافة تبعة جعله رقّا وحذرا من استعباده.
٢١ ـ (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ) ... قصة يوسف عليهالسلام لا تقتضي أزيد من وقوع بيع وشراء واحد ، وهو بيع السيارة له من عزيز مصر الذي كان على خزائنها وكان اسمه قطفير ، وكان من طرف الملك الرّيان بن الوليد العمليقي الذي آمن بيوسف (ع) ومات في حياته. والأخبار الواردة في هذا الموضوع تتحدث عن وقوع بيعين : واحد حين انتشاله من الجب ، وواحد من عزيز مصر. ونحن نرى أنه وقع
__________________
ـ إلى الجب وجدوا بحضرته سيارة وقد أرسلوا واردهم فأدلى دلوه ، فلما جذب دلوه فإذا هو بغلام متعلّق فيه فقال لأصحابه : يا بشرى ، هذا غلام. فلما أخرجوه أقبل إليهم إخوة يوسف فقالوا هذا عبدنا سقط منا أمس في هذا الجب وجئنا اليوم لنخرجه ، فانتزعوه من أيديهم وتنحوّا به ناحية فقالوا : إمّا أن تقرّ لنا أنك عبدنا فنبيعك ، أو أننا نقتلك. فقال لهم يوسف : لا تقتلوني واصنعوا ما شئتم.
فأقبلوا إلى السيّارة فقالوا : من منكم يشتري منّا هذا الغلام؟ فاشتراه منهم رجل بعشرين درهما وكان إخوته فيه من الزاهدين. وفي بعض الروايات : باعوه بثمانية عشر درهما. بل في ثمنه أقوال كثيرة.
وفي الأخبار أن يوسف عليهالسلام نظر يوما في المرآة فتعجّب ممّا أعطاه الله تعالى من الحسن وجمال الصورة ، فخطر بباله أني لو كنت عبدا لكان ثمني يتجاوز العدّ والحصر فابتلي بما أراه الله تعالى من الثمن البخس.