الصور الممثّلة التي هي مجسّمات جامدة لا روح فيها ولا حياة ، ولا تضرّ ولا تنفع. وقد أطلق عليها لفظ : تماثيل ، تحقيرا لها وتوبيخا لهم. فما هذه الأصنام (الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) أي ملتفّون على عبادتها ومقيمون لهذه الطقوس الوثنية من حولها؟ (قالُوا) مجيبين : (وَجَدْنا آباءَنا) قبلنا (لَها عابِدِينَ) يؤدّون العبادة لها ونحن على دين آبائنا وطريقتهم. و : عابدين مفعول ثان ل : وجدنا ، وآباء : هو المفعول الأول كما لا يخفى. (قالَ) إبراهيم عليهالسلام مجيبا قومه ومستهزئا بهم : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي أنكم تائهون عن الحق ضائعون عن الهدى أنتم وآباؤكم من قبلكم ، فلا ينبغي لكم تقليد آبائكم الضّالين عن الحق.
٥٥ و ٥٦ ـ (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) : سألوه هل أنت جادّ في قولك أم أنت لاعب هازل فيه؟ فالحقّ : هنا الجد بحسب الظاهر (قالَ) لهم : (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فأعرض عن سؤالهم المتعلّق بالجد واللعب وما اعتنى به ، وأخذ في إثبات دعواه ببطلان معبوداتهم ، وببيان حججه وبراهينه الواضحة على أن لهم ربّا هو ربّ السماوات والأرض وهو الله تعالى (الَّذِي فَطَرَهُنَ) سوّاهن على ما هنّ عليه من نظام الفطرة والخلق ، فكان قوله أدخل في تضليلهم وإلزامهم الحجة (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) أي على ما ذكرته لكم (مِنَ الشَّاهِدِينَ) المحقّقين المثبتين له.
٥٧ ـ (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) : أي : والله لأحلّنّ بها الكيد ولأدبّرن طريقة تكسيرها تدبيرا خفيّا عنكم يسوؤكم. وإنما قال ذلك سرّا عن قومه ـ بحيث همسه همسا ـ ولكن رجلا منهم سمعه فأفشى قوله. وقد وعدهم بهذا الكيد بعد أن (تُوَلُّوا) إلى عيدكم (مُدْبِرِينَ) منصرفين عن الأصنام ليخلو له جوّ الإيقاع بها بعد ذهابهم. وقيل إنهم كان لهم في كل سنة عيد يجتمعون فيه ، وكانوا إذا رجعوا منه دخلوا على الأصنام وسجدوا لها. وقد قالوا يومئذ لإبراهيم : ألا تخرج معنا؟ فخرج