وقدرته وجعلها (لَواقِحَ) جمع لاقحة ، وهي لاقحات السحاب التي تحملها وتحمل ماءها إلى المكان المقرّر له ، ولاقحة الأشجار والنباتات تحمل الريح اللّقاح من مكان إلى مكان فيتطاير معها ويلقح ما يقع عليه من الأزهار المناسبة له بعملية عجيبة غريبة تدلّ على دقة الصّنع وعظمة الصانع. فقد أرسلنا الريح لهذه الغايات كلها (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا ينحدر من السحاب (فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) أي جعلناه لشربكم وشرب حيواناتكم ونباتاتكم (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) نفى سبحانه عنهم ما أثبته لنفسه في قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ). فهو خالق الماء ، وهو القادر على إنزاله ، وخزائن الماء عنده ، وهم لا يستطيعون خزن ما يكفيهم منه ، وإن هم خزنوه تحوّل إلى ماء آسن نتن غير صالح لحياتهم وحياة حيواناتهم ونباتاتهم لأن الماء مادّة حياة كل شيء.
٢٣ ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) : تكرير الضمير في (إِنَّا) و (نَحْنُ) يدل على الحصر والتأكيد التام ، وكذلك اللام في (لَنَحْنُ) وبهذا حصر وأكّد بما لا يقبل الجدل والأخذ والرّد بأنه سبحانه هو المحيي المميت ولا يملك ذلك غيره. وقيل إنه يعني أيضا إحياء قلوب الأولياء بأنوار جمال قدسه وعظمة جلاله ، وإماتتها بالعمى عن رؤية آياته وفهم دلالاته. وللقرآن بطون والله أعلم بما يقول ، وقد قال : (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) لأنه تعالى يرث الأرض ومن عليها ولا بقاء لمخلوق على وجهها وهو الحي الباقي بعد فناء كل شيء. ويراد بالآية السّلطة والملكية لكل ما خلق وبرأ منذ بدء الخليقة إلى أمد انتهائها ، وليس الإرث هنا انتقال مال شخص إلى آخر بعد وفاته ، إذ متى كانت السّماوات والأرض ملكا لغيره تعالى ، حتى يرثها من ذلك الغير بعد موته؟! سبحانه فهو الباعث الوارث.
* * *
(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ