٨٤ ـ (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا) ... أي ما نفع ودفع عنهم ما كانوا يحصّلون من البيوت الوثيقة وازدياد الأموال وأنواع الملاذّ. وهذه القصص الأربع المذكورة المتوالية في هذه السورة ، كأنها تصبير للنّبي صلىاللهعليهوآله على سفاهة قومه وكثرة إيذائهم إيّاه صلوات الله عليه وآله ، فإنه إذا سمع مكرّرا أن الأمم السالفة كانوا يعاملون أنبياءهم ورسلهم بهذه المعاملات الفاسدة والأعمال السّفيهة الشاقّة ، سهل عليه نسبة تحملّ تلك المشقات والأذى منهم وعرف صلىاللهعليهوآله أن ديدن الأمم الجاهلة كان هكذا مع الرّسل من السّلف الماضين إلى الخلف الباقين ، فلا بدّ من تحمّل المشاق. غاية الأمر أنّ للأذى والتّأذّي مراتب ، وكان تأذيه من قومه أعلى مراتبه بحيث قال صلوات الله عليه : ما أوذي نبيّ بمثل ما أوذي ، حتى في آخر نفس منه بأبي هو وأمّي آذوه وأحرقوا كبده الشريف بحيث انصرف عن أهمّ أمر أراد أن يمضيه ويثبّته إلى الأبد لهداية الأمّة وكشف الغمّة ، فاللهم العنهم لعنا وبيلا وعذّبهم عذابا أليما. ولما ذكر في الآيات السابقة الإهلاك والتعذيب فكأنه قيل كيف يليقان بالرّحيم الكريم الودود الذي هو أرأف بعباده من كل رؤف؟ فأجاب عنه بأنّي خلقت الخلق ليكونوا مشتغلين بالعبادة والطاعة مطيعين لأوامري منتهين عن نواهيّ ، فإذا خالفوني وتركوها وجب عليّ حسب اقتضاء الحكمة إهلاكهم واقتلاعهم عن الأرض لأنهم مادة الإفساد والفساد ، ولا يفيدهم النّصح والعظة ولا العفو والرّحمة ، فاني أعرف بعبادي من كل عارف ، وأعلم بأحوالهم من كل عليم.
* * *
(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ